الجمعة 2 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قانون باركنسون

قانون باركنسون

ليس المقصود هنا الحديث عن مرض الشلل الرعاش الذى يصيب الجهاز العصبى المركزى ويؤثر على الحركة... أشهر من أصيب بهذا المرض هو الملاكم الأمريكى العالمى محمد على كلاى والذى بالرغم من تفسير إصابته أنها ناجمة عن الكم الكبير من اللكمات التى تلقاها فى رأسه على مدار حياته المهنية إلا أنه فى الغالب فإن أسباب المرض غير معروفة كما أنه لا يوجد علاج له... مجرد مجموعة من المسكنات والأدوية لتقليل آثار وأعراض المرض. قانون باركنسون الذى نحن بصدده اليوم هو عنوان كتاب للمؤرخ البريطانى سى نورثكوت باركنسون... صدرت النسخة الأولى من الكتاب عام 1955 وببساطة فإن قانون باركنسون يشير إلى أن العمل... أى عمل... يتوسع ليملأ الوقت المتاح لإنجازه وإن إعطاء المزيد من الوقت لن يؤدى إلى مزيد من الإنجاز بل سيتمدد العمل ليشغل كل الحيز الزمنى المحدد له. من إحدى الأمثلة الموضحة لهذا القانون هى تجربة تمت حيث تم تقسيم مجموعة من الطلبة إلى قسمين يضم كل منهما 20 طالبا... طلب من المجموعة الأولى أن يذكروا 20 اسما لعواصم الدول فى خلال 3 دقائق... أما المجموعة الثانية فقد طلب منها ذكر أكبر عدد ممكن من عواصم الدول فى خلال نفس الفترة الزمنية... العجيب أن المجموعة الأولى ذكرت العواصم العشرين بنهاية الدقائق الثلاث... أما المجموعة الثانية فقد ذكروا نحو 33 عاصمة وجاء ذكر العاصمة العشرين فى بداية الدقيقة الثالثة... والتفسير العلمى لذلك أن المجموعة الأولى قامت بملء الوقت كله لتنفيذ المهمة والمجموعة الأخرى عملت بمعدل أسرع نظرًا لأنها لم يتم وضع حد أقصى –مستهدف- لعدد العواصم فى نفس المدة الزمنية.... باختصار هذا ما يحدث دائما ولو تم إبلاغ المجموعة  الأولى بأن المطلوب 20 عاصمة فى خمس دقائق لتمدد الوقت وتمدد تفكيرهم ونشاطهم الذهنى ليملأ الخمس دقائق بالرغم من أن المهمة قد تستغرق ثلاث دقائق أو أقل. المشكلة التى نقع فيها جميعا أن هذا القانون يطبق علينا يوميا فى أثناء تعاملنا مع شبكات التواصل الاجتماعى... فلا يوجد وقت محدد للتصفح وعليه فإننا نملأ كل الوقت للقيام بهذه المهمة اللانهائية... الأسوأ أننا نفعل هذا بلا هدف حقيقى فى أغلب الحالات... هذا يشبه الإبحار بمركب فى بحر كبير بلا غاية أو هدف واتجاه محدد... قد يستمر الإبحار إلى أن نشعر بالتعب والإرهاق وننهار ولا نقدر على الاستمرار... المشكلة الحقيقية أنه لاتوجد حصيلة مهمة أو عائد مفيد لهذا الإبحار. وعليه إن كان ولا بد من هذه التكنولوجيات الحديثة فإنه يجب علينا أن نضع مواقيت ثابتة لكل شىء... ميعاد وفترة زمنية محددة لقراءة البريد الإلكترونى والرد عليه... ميعاد وفترة زمنية لتصفح الإنترنت... ميعاد وفترة زمنية للتواصل الاجتماعى... ثم لا نقترب من تلك الأدوات بعد انتهاء الوقت حتى وإن لم نكن قد انهينا مما كنا نعمل.... مجرد تجربة إن واظبنا عليها لفترة زمنية فسوف نصل إلى درجة نضج وقدرة على الاستفادة القصوى بأقل ضرر نفسى وعصبى وإنسانى.