السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القانون.. علم وصياغة

القانون.. علم وصياغة

تابعتُ باهتمام بالغ ما أثير مؤخرًا حول انتقاد لبعض الصياغات التشريعية لمشروعات القوانين المقدمة للبرلمان، وهو ما يؤدى إلى غموض فى فهم نصوصها، ومن ثم تعثر تطبيقها والعمل بمقتضاها، وهذا ما دعانى أن أخصص مقال هذا الأسبوع  للحديث عن القانون كعلم وصياغة؛ ويُقصد بالعلم المادة الأولية التى تتكون منها القاعدة القانونية وهى تنحصر فى المعطيات الطبيعية وهى الظروف التى يوجد فيها الإنسان والتى يعيش فى ظلها سواء كانت ظروفًا مادية أو معنوية كالحالة النفسية والخُلُقية والدينية… إلخ.. والمعطيات التاريخية وهى التراث الذى خلّفته الأجيال السابقة من البشرية فى مجال ينظم علاقاتها الاجتماعية من عُرف وعادات وتقاليد والتطورات التى مرّ بها هذا التراث.. ثم تأتى المعطيات العقلية أو الحقائق العقلية وهى تلك القواعد التى يمكن أن يستخلصها العقل من الحقائق الطبيعية والتاريخية، وفى كل الأحوال يجب عرض تلك الحقائق على العقل البشرى حتى يتولى تمحيصها وتحليلها ومعرفة مدى استجابة هذه المواد للصياغة التى تحقق غاية النظام القانونى.. وأخيرًا المعطيات المثالية، وهى وإن لم تكن واضحة المضمون إلا أنه بشكل عام يمكن إيجازها فى أنها آمال البشرية وأمانيها وطموحاتها المستمرة نحو النهوض بالقوانين وتطويرها، وبهذا تكون المعطيات المثالية قادرة على التأثير فى المعطيات الثلاثة السابقة. أما الصياغة القانونية فهى العنصر الخاص من عنصرى القاعدة القانونية، فالعنصر الأول هو العلم (المادة الخام) التى يتشكل منها التشريع بتحديد دقيق لموضوعاتها وطروحاتها المختلفة وتنظيم العلاقات بين أطرافها وبيان حقوق وواجبات كل طرف والمخالفات الناشئة عن عدم تطبيقها والعقوبات المرصودة لكل منها، ويأتى بعد ذلك عنصر الصياغة القانونية التى تتولى تحويل المواد الخام إلى نصوص تشريعية ميسورة قابلة للفهم والتطبيق.. فبعد أن يجمع المشرِّع المواد الأولية التى يصنع منها القواعد القانونية، وتتمثل هذه المواد فى الحقائق والمعطيات الأربعة السابق بيانها، وبإعمال واستعمال وسائل الصيغة القانونية يتم وضع المعطيات فى قوالب أو نماذج تشريعية تجعلها ميسورة التطبيق. والصياغة القانونية طريقة وضع تعنى فن الوسائل القانونية التى يجب على المشرِّع أن يحيط بها ويستوعبها، فهى التى تُعينه على تحقيق الغرض الذى رسمته السياسة التشريعية والأهداف المحددة للتشريع. وأعتقد أن ثمة ضوابط ومعايير وركائز أساسية، تنهض عليها الصياغات التشريعية شكلاً وموضوعاً سواء فى نشأة مشروعات القوانين أو فى حالات إجراء التعديلات عليها، قد يكون من أهمها عدم مخالفة أحكام المشروع لأحكام الدستور والقوانين الأخرى ذات العلاقة، وللاتفاقيات الدولية الشارعة، كذلك دراسة تحقيق المشروع للأهداف المبيّنة فى مذكرته الإيضاحية وأثره على الأوضاع والمراكز القانونية القائمة، ومن الأهمية بمكان عند صياغة التشريع الاسترشاد بالاجتهادات القضائية والفقهية والقوانين المقارنة فى الحدود التى تتطلبها مواءمات التشريع وخصوصيته الوطنية، كما تشكل اللغة وجودتها أحد أهم دعائم الصياغات التشريعية المنضبطة والمحددة والواضحة، فهى التى تتولى تحويل المعطيات العلمية إلى نصوص تشريعية ميسورة قابلة للفهم والتطبيق، لتحقيق أهداف السياسة التشريعية وغاياتها، وبدونها تضطرب تلك الأهداف ويكتنفها الغموض، ويلحق العوار بالعملية التشريعية برمتها. لقد تشرفتُ بالعمل - سنين عددا - داخل (المطبخ التشريعى) فى قطاع التشريع بوزارة العدل، ومجلس الشعب، ومجلس الوزراء، وتتلمذتُ على أيدى قضاة وفقهاء وعلماء كبار، خبروا الأصول التشريعية، حيث كان العلم ديدنهم، والإتقان منهجهم، والموضوعية سبيلهم، والمناقشات طريقهم، أذكر منهم – مثالا لا حصرا – المغفور لهم المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق، والمستشارالدكتور محمد فتحى نجيب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، والأستاذ الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق، وأدعو بطول العمر والعطاء لكل من العلامة الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، والذى ترأس المجلس أكثر من عشرين عامًا متصلة، والمستشار الدكتور سرى صيام رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق والذى ترأس قطاع التشريع بوزارة العدل وأصدر سِفرًا تشريعيًا شاملا لفنون صناعة التشريع، والمستشار الدكتور حسن بدراوى نائب رئيس محكمة النقض والذى أمضى عشرات السنين فى التشريع سواء فى وزارة العدل أو ممثلا لها فى البرلمان، وغيرهم كثير ممن لا تتسع تلك السطور لذكرمآثرهم. وبالقانون.. تحيا مصر،،