
أيمن عبد المجيد
رسائل قمة العلمين الرئاسية «المصرية الصومالية»
منذ فجر التاريخ، كانت العلاقات المصرية الصومالية، ببعثات تجارية أرسلتها الملكة حتشبسوت إلى «بلاد بونت»، لتمتد تلك العلاقات فى محطات تاريخية لتروى دماء مصرية زكية شجرة الحرية الصومالية في 16 أبريل عام 1957، لتصل اليوم إلى محطة العلاقات الاستراتيجية الشاملة.
كان السفير كمال الدين مندوب مصر فى مجلس الأمن، دبلوماسى مخضرم، أحد أعضاء لجنة ثلاثية ممثلًا لمصر مع مندوبي كولومبيا والفلبين، شكلها مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة، للإقامة فى الصومال لمتابعة الانتقال من الوصاية الإيطالية إلى الاستقلال.
لم يدخر جهدًا ونجح فى بناء وعى عام صومالى، تجول فى أنحاء البلد العربى الشقيق، هدد مصالح المحتل فكان أن اغتيل بطعنة فى ظهره، لتروى دماء مصرية شجرة الحرية الصومالية، وهو ما ظهر فى جنازته الرسمية والشعبية المهيبة وتوديع جثمان الشهيد من مبنى البرلمان الصومالى.
مصر التى دعمت حركات التحرر فى إفريقيا، تعزز دورها اليوم الداعم لاستعادة قوة وقدرة مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمكنها من بسط سيادتها وسيطرتها على كامل ترابها الوطنى، وبما يحقق أمنها والأمن والسلم الإقليمى والدولى.
فى مدينة العلمين الجديدة، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، وجرت مباحثات ثنائية، تلتها مباحثات موسعة، ثم مؤتمر صحفي مشترك، فى توقيت بالغ الأهمية والدلالات.
فالجمهورية الصومالية الفيدرالية، تتمتع بموقع بالغ الأهمية الجيوسياسية، فهى بوابة القرن الإفريقى، وتملك أطول سواحل فى إفريقيا، وتطل على أهم طرق الملاحة والتجارة الدولية، من خليج عدن شمالًا، والمحيط الهندى شرقًا، وحدودها البرية مع كينيا جنوبًا وإثيوبيا غربًا وجيبوتى بالجنوب الغربى.
وإلى جانب الأهمية الجيوسياسية، تأتى أهميتها الأمنية والاقتصادية، والتحديات التى تواجهها فى مكافحة الإرهاب، وردع محاولات المساس بوحدة وسلامة أراضيها، فقد واجهت محاولات انفصال إقليم أرض الصومال ومحاولة إكسابه شرعية عبر توقيع بروتوكول بين المسيطرين عليه والحكومة الإثيوبية لإنشاء ميناء بحرى إثيوبى باتفاقية غير شرعية لتجاهلها سلطة الحكم الشرعى للبلاد.
فى ١٤ أغسطس عام 2024، وقعت مصر بروتوكول تعاون عسكرى مع جمهورية الصومال الفيدرالية، يستهدف تقديم «الدعم العسكرى للصومال بهدف تمكينه من محاربة الإرهاب والقضاء عليه بالاستفادة من خبرات مصر فى هذا المجال، والتعاون فى مجالات التدريب العسكرى وتبادل المعلومات بين الأجهزة المعنية بين البلدين بما يساعد الصومال على بسط سيطرته على أراضيه».
وفى ٢٤ يناير ٢٠٢٥، وقعت مصر والصومال إعلانا سياسيا مشتركا، لترفيع العلاقات بين مصر والصومال الفيدرالية، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
تلك الشراكة بحسب الإعلان السياسى المشترك، تأتى فى إطار علاقات الصداقة والأخوة التاريخية، «وإدراكًا من القيادتين السياسيتين لوحدة المصير وتلاقى مصالح وتطلعات الشعبين لمستقبل مزدهر وآمن»، «وأخذًا فى الاعتبار التهديد المشترك للأمن والسلم فى منطقة القرن الإفريقى والبحر الأحمر».
ستة محاور يشملها ترفيع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، تبدأ من التشاور السياسى، على المستوى الرئاسى قمة سنوية، ووزراء الخارجية نصف سنوية، لتنفيذ التوجيهات الرئاسية، ولجان متابعة للتوصيات، وتنفيذ نتائج المشاورات.
وهنا تأتى أهمية القمة الرئاسية الاثنين الماضى، فى أقل من عام، وهى رسالة أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بالمؤتمر الصحفى: «حرص متبادل على الارتقاء المستمر بالشراكة الاستراتيجية بما يحقق مصالح شعبينا ويدعم جهود التنمية والاستقرار فى الصومال ومنطقة القرن الإفريقى».
والمباحثات التى أكد الرئيس أنها «شهدت نقاشًا معمقًا حول عدد من القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفى مقدمتها الأوضاع الأمنية والسياسية فى القرن الإفريقى وأمن البحر الأحمر»، خلصت إلى: «توافقنا على استمرار تكثيف التعاون لضمان استقرار هذه المنطقة الحيوية لما لها من تأثير على الأمن الإقليمى والدولى».
وكانت من أهم الرسائل: «استمرار التعاون فى المجالين العسكرى والأمنى ومواصلة التنسيق فى إطار بروتوكول التعاون العسكرى الموقع بين بلدينا فى أغسطس ٢٠٢٤ من أجل دعم قدرات الكوادر الصومالية وتعزيز دور المؤسسات الوطنية فى حفظ الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وتمكين الدولة الصومالية من بسط سيادتها وسيطرتها على كامل ترابها الوطنى».
وهى رسالة مهمة لدعم مصر الدائم لاستعادة الدولة الوطنية العربية التى تواجه تحديات، لبناء قدرات مؤسساتها وبسط سيادتها وسيطرتها على كامل أراضيها.
وهنا دعم للصومال فى مواجهة الإرهاب وأى أطماع خارجية، فضلًا عن مشاركة مصر بدعوة من الصومال عسكريًا وشرطيًا فى بعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ الأمن والسلم فى الصومال.
تأتى أهمية تلك الرسائل والإجراءات الداعمة للدولة الشقيقة، فى وقت تتعرض فيه لانتهاك إثيوبيا بالمخالفة للقوانين الدولية، وإعلان أبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا منذ أيام اكتمال بناء سد النهضة بالمخالفة للقانون الدولى متجاهلًا حقوق ومطالب وملاحظات دولتى المصب.
الموقف المصرى الثابت الداعم، للحقوق المحترم لسيادة الدول، قوبل بامتنان الصومال شعبًا وقيادة، وقد عبر عن ذلك الرئيس حسن شيخ محمود فى مستهل كلمته قائلًا: «أعرب عن تقدير الشعب الصومالى لموقف مصر طويل الأمد والعلاقات الأخوية والدعم الذى لا يتزعزع فى وقت الحاجة وفى الأوقات الصعبة التى شهدتها الصومال، نشعر بالامتنان لهذا الموقف».
ودعا شيخ محمود الرئيس عبدالفتاح السيسى لزيارة الصومال وقتما يسمح وقته، «ليستقبلك الشعب الصومالى بحفاوة كبيرة»، فى رسالة واضحة لتقدير الشعب الصومالى للدعم المصرى لدولة جمهورية الصومال الفيدرالية لبناء مؤسساتها ومواجهة تحديات الإرهاب ورفض المساس بسلامة أراضيها.
خبرات مصر فى مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، دفعت الرئيس الصومالى للإعراب عن أمله فى تعزيز الشراكة للاستفادة من خبرات مصر فى بناء المؤسسات ومواجهة الإرهاب، والجهود التنموية.
فالشراكة الاستراتيجية تشمل ستة محاور تبدأ بالتشاور السياسى المعمق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، مرورًا بالتعاون العسكرى والأمنى، بتقدم الدعم العسكرى لجمهورية الصومال الفيدرالية، وبحث وزارتى الدفاع بالبلدين سبل تعزيز العلاقات العسكرية «خاصة مجالات التدريب والتسليح والعمل على تلبية احتياجات الجيش الوطنى الصومالى فى المجالات العسكرية المختلفة مع التركيز على مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود البرية والبحرية».
ومحور التعليم والثقافة وبناء القدرات، وهنا من خلال المنح الدراسية للطلبة الصوماليين فى الجامعات المصرية، أو ما يوفره الأزهر الشريف، ومجالات تعزيز التنمية المستدامة والعمل الدبلوماسى والبرلمانى.
ولمصر دور بارز فى الستينيات من خلال البعثات التعليمية والدعوية فى دعم أبناء الصومال، وسطرت تاريخها الدبلوماسى بالدماء، ليتعزز ذلك الدور فى بناء الصومال الحديث.
ويشمل التعاون المجال القضائى، لإعادة تأهيل المنظومة القضائية بالصومال، ومجال التعاون فى إدارة الانتخابات لتقدم مصر الدعم القانونى والفنى والإجرائى لتمكين الصومال من إجراء الانتخابات وفق رؤية وطنية صومالية.
وصولا للتعاون الاقتصادى الذى يتضمن ستة محاور، الزراعة والثروة الحيوانيّة، والصيد والاستزراع السمكى بما تملكه الصومال من أكبر سواحل فى إفريقيا، والبناء والتشييد، والنقل والمواصلات، والخدمات المالية والمصرفية، والنفط والغاز والطاقة الجديدة والمتجددة.
إن الصومال بأهميتها الجيوسياسية والتاريخ المشترك ووحدة اللغة والدين والمصير، تجعل من تلك الشراكة الاستراتيجية ضرورة لتلبية طموح الشعبين فى مستقبل أفضل، ومواجهة التحديات المشتركة، مصر تدعم الأشقاء لبناء مؤسسات الدولة الوطنية، وإحلال الأمن والسلام.