الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
11 فبراير.. والطريق إلى دولة القانون

11 فبراير.. والطريق إلى دولة القانون

نتذاكر اليوم 11 فبراير 2020 ما انتهت إليه أحداث 25 يناير 2011 (المؤلمة)، بانهيار دولة القانون وقتئذ، وشيوع الفوضى والخراب والدمار التى عمت أرجاء البلاد قاصيها ودانيها، وظهور أصوات تدعو إلى إسقاط (النظام) وهى فى حقيقتها كانت تدعو إلى إسقاط دولة القانون، فأصدرتُ حينها كتيبًا مبسطًا بعنوان «الثورة.. والطريق إلى دولة القانون» طبعه المجلس القومى للشباب طبعات متعددة ومتكررة، وجبتُ من خلاله محافظات مصر مع نخبة من المفكرين والعلماء والمثقفين، داعين إلى إعمال العقل والحكمة والحفاظ على مكتسبات الدولة القانونية، مرددين مقولة الإمام محمد عبده إن «القانون هو سر الحياة وعماد سعادة الأمم، وأن القوة لا تأتى بثمرتها الحقيقية إلاّ إذا أعضدت باتباع الشرع والقانون الذى أقر العقلاء بوجوب اتباعه». ولقد أطنب المؤلفون فى أبعاد دولة القانون (سياسى، قانونى، ثقافى، منهجى، فلسفى) وهى أبعاد مترابطة بل متشابكة، فدولة القانون هى شعار سياسى ونظرية دستورية هدفها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وهذا التنظيم يتم من خلال إيجاد علاقة متوازنة بين طرفى العلاقة، وفى هذا السياق يأتى الخطاب الرسمى على ذكر تعبير «دولة القانون والمؤسسات»، هذه العبارة التى تتكرر باستمرار، فقد تكون الشعوب تعايش فى الوقت الراهن ديمقراطية روسو والتى تتجسد، بالنسبة له، فى قوله بأنه فى ظل النظام الديمقراطى الناس متساوون لأنهم يمتلكون ويعايشون الآلام والأفراح ذاتها، ولكن يبقى عليها عدم تجاهل ما قاله فولتير الذى ما فتئ يردد بأنه علينا أن ننير عقول الناس، وعندها سيعرفون ما عليهم أن يفعلوه، فالميل للتغيير والسعى للتقدم وتحسين الحياة السياسية والاقتصادية للمواطن يجب أن لا ينفصل عن تبنى فكرة أننا متشابهون لوجود كائن داخلنا يدعى إنسان، وأن اختلافنا هو اختلاف منبعه المجتمع والبنية السياسية المتصلان بماض عمره قرون عديدة.  لقد آن الأوان لكى نتجنب تكرار مثل تلك الاحتجاجات المفتعلة، من منطلق قانونى خالص، ذلك أن القراءة المتأنية لهذه الاحتجاجات – ولو نظريًا - توضح شعاراتها لإحقاق المساواة بين الحاكم والمحكوم ولترسيخ كرامة الإنسان وحقه وواجبه فى بناء بلده سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، يمكننا إذا بسهولة إيجاد نقاط التلاقى بين هذه الحركات وبين مبادئ فلسفة التنوير، ألا وهى إعادة قراءة تاريخها ومحاولة التأسيس لحاضر قوامه العقل وليس الشعارات والأفكار العقيمة والتى أصبحت عبارة عن مومياءات مقدسة، إن أهمية هذه الخطوة تنبع من أن الاقتصار على تغيير الطبقة الحاكمة دون التفكير بشكل استراتيجى ببناء مؤسسات وضرورة قيام هذه الأخيرة على ركائز عقلية وضعية، فالجرأة فى النزول للشارع وقول كلمة (لا) لاستبداد الحكام، و(لا) لتمركز الحكم فى يد شخص واحد لعقود، و(لا) لكتم أفواه وطنية تسعى للمساهمة فى بناء دولة القانون.. يجب أن تتوازن مع (لا) أخرى موجهة لماض يتضمن العديد من الأفكار والتصورات والعادات التى هى مشروطة أصلا بفترة تاريخية معينة ولا تعكس أو تخدم حاضر الشعب وحاجاته المادية أو المعنوية، بمعنىً ما.  إن شعار الشعب يريد إسقاط النظام يجب أن ينمحى من الذاكرة ،ويتم استبداله بالسعى لبناء مؤسسات قادرة على العمل على تربية الوعى الجمعى تربية تتضمن احترام الآخر المختلف، وقدسية المفهوم الوطنى فى نفوس النشء والشباب الذين هم أمل الوطن فى غد أكثر تسامحًا وسلاما.      لن نكرر تجربة الهتاف بإسقاط النظام، ولكننا سنبنى ونعمر ونكرس جهودنا لمصرنا الغالية هذا الوطن الأم، لكى يعكس وحدته تجاه قضايا اجتماعية تتجسد بعدم تكفير من يختلف معه فى الأمور الدينية غير القطعية والابتعاد عن إحداث فتنة لمجرد تباين فى وجهات نظر كلتاهما ترتكز على أسس علمية وتاريخية معتبرة، فالوطن للجميع ولا بد من التعايش السلمى بين طوائف وأديان المجتمع كافة ومن ثم فصل هذه الأخيرة عن سياسة الدولة وذلك لتحقيق الأهداف المستمرة لدولة القانون. فمصر دائمًا صانعة التاريخ وملهمة الدنيا، وعبقريتها للمكان والزمان، فيها انبثق «فجر الضمير الإنسانى» ومشى على أديمها الأنبياء ،وخلدتها الرسالاتُ السماويةُ فى كتبها المقدسة بأحرفٍ من نورٍ.. ترتلها الألسن والأنام إلى يوم يبعثون. وبالقانون.. تحيا مصر.