الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نضال «تحية كاريوكا»

نضال «تحية كاريوكا»

إنسانيتها ودعمها للفنانين والفقراء والمحتاجين، وحب الخير، وجه آخر لانعرفه للرائعة الراحلة «تحية كاريوكا».. هذا هو وجهها  الحقيقى الذى خلق حبا من نوع خاص بينها وبين جمهورها ،حب استمر بعد وفاتها ،لتظل سيرتها عطرة وتفوح بالخير والحب. تعاطفها ومساعدتها للفنان عبدالحليم حافظ، يأتى على رأس مواقفها الإنسانية مع الفنانين، حيث كان لها الفضل الأكبر عليه، ففى أحد الأيام أراد مالك المسرح الذى يغنى فيه «حليم» الاستغناء عنه وإنهاء العقد المُبرم، لأن الجمهور لم تعجبه أغانيه. فهل تصمت «كاريوكا» التى كانت وقتها نجمة، ترقص فى نفس المكان وتترك الشاب النحيف ضحية تسلّط المالك؟، الجميع فوجئ بها تهدد بالرحيل لو ترك الشاب المغلوب على أمره العمل، رفعت صوتها فى وجه الجميع «اللى هيقطع عيش «حليم»، يقطع عيشى معاه. لم تكتف النجمة الكبيرة بذلك بل قدمت لحليم 100 جنيه كسلفة ليشترى بدلة جديدة ليغير حظه العثر، وقد كان. حبّ «كاريوكا» للخير امتد إلى الجميع ،فقد كانت تقيم الولائم الخيرية بشوارع مصر القديمة وتطعم الناس بنفسها، وظلت حتى وفاتها تمنح أموالها بسخاء شديد وبرضا نفس ...وكان آخر ما فعلته تربية طفلة يتيمة وجدتها على باب شقتها فى الدقى، أطلقت عليها «عطية الله». قبلها بقليل رفضت الاستمرار فى مقاضاة زوج لها استولى على شقتها على نيل الجيزة بعد أن علمت أن زوجته الجديدة أنجبت ..وقتها قالت الشقة رزق المولود الجديد. تداخل دورها الإنسانى مع دورها الوطنى، فقد كانت شديدة الوطنية، وكانت أول من انضم من الفنانين إلى جمعية تحسين الصحة منذ قيامها، وراحت تداوى جراح مصابى الحرب على الجبهة فى 1967...وتبرعت بكل مجوهراتها لإعادة تسليح الجيش المصرى بعد النكسة . لعبت «كاريوكا» أيضاً دوراً سياسياً بارزاً، وألقى القبض عليها أكثر من مرة بسبب نشاطها السياسى السرى التى كانت تلعبه، فقد كانت عضوا فى أكثر من تنظيم شيوعى، أشهرها تنظيم «حدتو»، ودخلت السجن لثلاثة أشهر عندما عثر البوليس فى شقتها على بعض منشورات الحركة ومن تلك اللحظة عرفت تحية السجن لأول مرة فى حياتها وقضت فى السجن 101 يوم.. ثم عادت إليه عندما انتقدت رجال  ثورة يوليو قائلة : « ذهب فاروق وجاء فواريق».. وتابعت :إن أداءهم لا يفرق شيئًا عن أداء الملك فاروق»، وقتها غضبت منها السلطة بشدة وتم اعتقالها مع آخرين أعضاء بالشيوعى المصرى. «كاريوكا» فى السجن لم تتغير، استغلت فترة وجودها بداخله ودافعت عن حقوق السجناء والأوضاع الإنسانية المزرية فى السجون،وطالبت إدارة السجن بوقف عمليات التعذيب ضد بعض السجينات، وتخفيف الخدمة الشاقة ضد البعض الآخر وأقامت نشاطًا لمحو الأمية فى سجن النساء. كاريوكا امتد نشاطها السياسى ومساعدتها للجميع إلى «أيقونة روزاليوسف» عمنا وتاج راسنا صلاح حافظ... فقد حمته فى الخمسينيات، وأخفته فى منزلها وكان طالبا وصحفيا سياسيا شابا فى ذلك الوقت، وعادت مرة أخرى لتخفيه فى منزلها فى السبعينيات لكن هذه المرة من السادات بعدما انضم لتنظيم شيوعى سرى، وكان ينتقد الرئيس فى كتاباته. وقتها..عُين صلاح حافظ رئيسًا لتحرير «روز اليوسف» مع فتحى غانم وقت كان عبد الرحمن الشرقاوى رئيسًا لمجلس الإدارة، فنشر صلاح تحقيقًا صحفيًا حول أحداث 18 و19 يناير واصفًا ما حدث بأنه انتفاضة شعبية بينما وجد السادات أنها انتفاضة حرامية، وكانت النتيجة إعفاء الشرقاوى وفتحى غانم وصلاح حافظ من رئاسة تحرير ومجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف. «كاريوكا» كانت  وطنية حتى النخاع.. فقد حملت فى شنطة سيارتها أسلحة للفدائيين فى القناة وعرضت نفسها للخطر ولم تكتف بذلك فقط ولكنها قامت بتخبئة الأسلحة بمزرعة شقيقتها بالإسماعيلية.. وهى المزرعة نفسها التى أخفت فيها الرئيس الراحل محمد أنورالسادات بعد مقتل أمين عثمان.  «تحية» كانت أول من انضم من الفنانين إلى جمعية تحسين الصحة منذ قيامها، وراحت تداوى جراح مصابى الحرب على الجبهة فى 1967، وتأثراً بشخصيتها الكاريزمية كتب أكثر من كاتب ومثقف عربى العديد من الدراسات والأبحاث عن تحية كاريوكا، أهمها الدراسة التى كتبها المثقف الفلسطينى الراحل إدوارد سعيد. تحية كاريوكا  لم تكن تعرف غير قناعاتها الشخصية وتقف فى وجه الطوفان من أجل مبادئها.. ففى عام 1987، شجعت الممثلين وأعضاء نقابة المهن التمثيلية على الإضراب ضد قانون النقابات، الذى اعتبروه حينها مجحفا وظالما، ويتدخل بالتعيين أو الحل لمجالس النقابات، فظلت مضربة عن الطعام دفاعا عن مهنتها فى موقف لا نراه الآن رغم تعرض مهن كثيرة لمواقف أشد .. تحية أضربت عن الطعام  داخل أسوار النقابة لما يقرب من 10 أيام. وكانت هى الفنانة الوحيدة التى أضربت عن الطعام ، ولم يوقف إضرابها سوى تدخل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك  شخصيا، والذى اتصل بها فى نقابة السينمائيين مقر اعتصام الفنانين وداعبها قائلا: «عايزة يقولوا يا ست تحية إنك عشت تأكلى فى عهد فاروق وعبد الناصر والسادات وبعدين تموتى جعانة فى عهد مبارك؟!»...ووعدها بمراجعة القانون. «كاريوكا» قضت آخر 25 عامًا فى حياتها معتكفة على قراءة القرأن والصلاة وأداء الحج والعمرة وبالرغم من قلة أموالها بسبب ابتعادها عن الفن إلا أنها لم تبتعد أبدا عن مساعدة الفقراء.