الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدولة المصرية

الدولة المصرية

بعيدا عن تقييم السياسات، والاتفاق  أو الاختلاف، مع ما تطرحه الدولة المصرية من سياسات، فإن ما شاهدناه، وتابعناه جميعا، خلال الأيام الماضية، حول وفاة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كان له دلالات ومعانى عدة.  الحاصل أن التعامل جرى فى سياق لائق بابن من أبناء القوات المسلحة المصرية، وواحد من رموزها فى معركة العزة والكرامة، وبطل من أبطال حرب أكتوبر، التى سنظل نفخر بها، مادام المصريون على وجه الأرض، وهى الحرب التى تعرضت للعديد من المؤامرات والأكاذيب للتشكيك فيها وفى نتائجها، وهى المخططات التى حاول أعداؤنا دسها بيننا، واستغل فى ذلك فريقا من عملائهم المشككين، لطمس النصر، أو الإساءة لرموزه. والشاهد أن التعامل الذى شهده الأحداث جاء بصورة راقية، تعكس روح دولة متحضرة، تفخر برموزها، ولا تخلط الأوراق، فالدول الراقية، هى التى تعرف قواعد التعامل الراقى فى الاحداث الكبرى، فلا تندفع أو تتهور، خلف تصرف مسىء، لمجرد تسجيل موقف. واللافت أن الأيام الماضية، قدمت للشعب نموذجا، لروح التسامح ومعانيه، التى نفتقد لجانب كبير منها، خلال السنوات الأخيرة، وخلقت بيننا ثقافة الكراهية والعداوة، والرغبة فى الثأر والانتقام، ورفض التسامح فى التعامل بين الناس. انعكست تصرفات الدولة المصرية، على الحالة الشعبية، التى كانت تنتظر مؤشرات أو اشارات، لاستعادة جانب مما كنا عليه، قبل سنوات مضت، سادت فيها مفاهيم وعادات، مناقضة تماما لتاريخنا الطويل، وللثقافة التى فرضها المصريون، طوال عصور مختلفة، ولم تنجح التحديات، أو عصور الظلام، فى إثناء المصريين عن تلك الثقافة. هى لحظة كانت كفيلة أن يظهر فيها الشعب المصرى، كل ما يحمله فى وجدانه من مشاعر، ويعرض معدنه الأصيل على العالم كله، ومن يتابع مشاهد العزاء المتنوعة والمتعددة، وطوابير العزاء، ونوعيات الحضور ومستوياتهم، يتأكد أن كل محاولات تغيير ثقافة هذا الشعب، وإغراقه فى روح الكراهية والعنف، ربما تنجح أحيانا فى لحظات معينة، ولكنه سريعا ما يسترد ثقافته الحقيقة، الكامنة فى عقله ووجدانه، ويعود منتفضا معلنا رفضه لهذه الثقافات الدخيلة علينا. فى التاريخ لحظات نتحدث عنها باهتمام لأنها تمثل لنا محطة مهمة فى مسيرتنا، ولأنها لحظة كاشفة، تعكس جوانب غائبة، وتنطلق بها من الجانب المظلم إلى الجانب المضىء، وهى لحظات ستتحدث عنها الأجيال المقبلة. ما حصل فى الأيام الأخيرة نموذجا للدولة المصرية ذات الثقافة الراقية، والحضارة المضيئة، والتى تؤكد كل يوم، أنها بعيدة كل البعد عن روح الانتقام أو الكراهية. هذه هى الدولة المصرية التى تعتز بشعبها وتعتز بأبنائها وتعتز بجيشها.