الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المفكر السعودى صالح الطيار: استقى الغرب أساس حضارتهم

 الدكتور صالح بن بكر الطيار محام ومفكر ودبلوماسى سعودى من المدينة المنورة تجاوزت أنشطته وعطاؤه حدود الوطن إلى آفاق عربية ودولية. حصل «الطيار» على دكتوراه الدولة فى القانون الدولى الخاص – عقود دولية لنقل التكنولوجيا من جامعة «رين» الفرنسية عام 1987، وحصل على وسام الشرف بدرجة فارس من الجمهورية الفرنسية، شغل منصب رئيس مركز الدراسات العربى الأوروبى فى باريس، حيث نظم أكثر من أربعة وعشرين مؤتمرًا وندوة، فى عواصم عربية وأوروبية، أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات منها: «العقود الدولية لنقل التكنولوجيا» 2000، السعودية ومكافحة الإرهاب «المواجهة والمناصحة» 2017، إضافة إلى عشرات الدراسات المتخصصة، وصدر له مؤخراً سيرته الذاتية تحت عنوان: «سيرة ومسيرة».. حول سيرته ومسيرته دار الحوار معه:



■ أصدرت سيرتك الذاتية مؤخرًا تحت عنوان» سيرة ومسيرة».. ألا ترى أنه من المبكر كتابة سيرتك الذاتية ولا سيما أنك لم تنقطع عن العمل العام؟

 

ـ تم الترويج لمقولات ينبغى مراجعتها عن أن «السيرة» هى النهاية، أو العمل الأخير فى حياة الإنسان.. وأتصور أن هذا غير صحيح، لأن السيرة موقف من الحياة، وحوار معها، ومع كل ما تأتى به، وما لم تأت به أيضًا.. وأتصور أننى تأخرت.. صحيح أننى على مسافة أشهر من السنة الرابعة والستين من عمري، لكننى عشت أحداثًا كشاهد، وشاركت فى صنع أحداث كفاعل، ومررت بأحداث كان يمكن أن أبدأ عندها بدء رواية سيرتي. وأتذكر أن الدكتور طه حسين، ولا أقارن نفسى بعميد الأدب العربي، كتب سيرته قبل أن يبلغ الأربعين. والسيرة هى تحد  للصعاب، لأنك تتأمل بصوت مسموع وبعيون مفتوحة كل ما سبق، لا لتنهى حياتك باكرًا وإنما لكى تتخذ طريقًا، قد يكون الطريق نفسه، أو تحول ومنعطف، أو طريق جديد.. تقول لمن حولك، أنك هذا الصنف من البشر الذى واجه الكثير من التحديات، والذى لا يقبل بالحصار، وإذا كنت يا سيدى فى فصل قد يكون الأخير فى حياتك، وكل شيء بمشيئة الله، فإنك تقول لزملائك وأبنائك الكثير من الخلاصات. ولنلاحظ أن أزمة طه حسين بعد نشره كتاب «فى الشعر الجاهلي» جعل «الأيام» موقفًا من معاصريه، مؤيدون ومعارضون، أنصار وخصوم، ومن أفكاره، وجزء رئيس من مراجعاته، وأظن أن ذلك الكتاب أعاد طه حسين مقاتلًا أكثر شراسة وحكمة.. ولقد مررت بانعطافات حادة ومصادفات عجيبة فى حياتي. فقد كان يمكن أن أبدأ كتابة سيرتى بعد عودتى إلى بلادى السعودية حاملًا رسالة الدكتوراة فى القانون. وكان يمكن أن أرويها بعدما خرجت سليمًا بحمد الله من مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة بعد عملية جراحية جديدة من نوعها وخطيرة.. وكان يمكن أن أكتبها وأنا على مشارف الستين.. لكن أصارحك أنه بعد الستين وقد كبر الأولاد شعرت بالحاجة إلى أن أهمس لهم بهذه السيرة.. وقد كبر وطنى واتخذ موقعه اللائق فى العالم وبدأ مسيرة التحديث، شعرت بالضرورة أن أروى لأبناء الوطن خصوصًا من الشباب كيف كنا وكيف أصبحنا وما جذورنا وما فروعنا وأغصاننا وثمارنا.

 

■ هل تعتقد أن الثقافة العربية بحاجة إلى المزيد من المذكرات والسير الذاتية؟

 

ــ بالتأكيد تحتاج الثقافة العربية إلى المزيد من المذكرات والسير الذاتية.. لكن للمذكرات والسير أساليب لا ينبغى التنصل منها عند الكتابة، وأول الشروط فى تصورى هى الصراحة قدر الإمكان والوضوح فى كل الأحوال. وإذا كان رواى سيرته سيخفى الكثير فلا توجد ضرورة للمذكرات ولن تجد صدى إذا ما نشرت، وأتوقف هنا عند شرط الصراحة لأنه مما يبعث على الأسى أن تذكر عورات نفسك أو أسرتك أو غيرك. ربما حدث هذا بانتظام مدهش مع كتاب غربيين، مذكرات فى منتهى الصراحة تشمل موبقات كثيرة من علاقات مع النساء ولعب القمار ومعاقرة الخمر والخيانات للصداقة.. قد يكون هذا فى عرفهم صراحة وتطهيرًا، لكن هنا فى منطقتنا وثقافتنا ستكون سيئة وقد تغطى السطور الجريئة التى يمكن أن ترد فى المذكرات عن بعض خطايا كاتبها على المذكرات كلها.. والمذكرات كما قال الدكتور مفيد شهاب، وهو أستاذى ومعلمى وصديقي، والذى كتب مقدمة الكتاب، قال فى حفل التوقيع أخيرًا، إن كتابة المذكرات تحتاج إلى الشجاعة.. وعزَا تردد الكثيرون من النخبة ع ن كتابة سيرتهم إلى مخاوف ربما من جرح أحد أو غضب آخرين.. هى تعقيدات فى تصورى يجب أن تتغلب عليها النخب السياسية والقانونية والإبداعية قبل أن تشرع فى الكتابة. وأرى أن المكتبة العربية ينقصها الكثير من المذكرات والسير لملوك ورؤساء وأمراء ووزراء ورجال دولة وأحزاب وعسكريين وولاة ومحافظين وأدباء ومبدعين. ورغم صدور عدد لا بأس به من السير، لكنها تظل فى رأيى محدودة جدًا. وكتب المذكرات والسير الذاتية لها قارئها ويحتاجها الباحثون والدارسون. واعتبرها فصولًا فى التاريخ ليس الشخصى لكاتبها بقدر ما هو التاريخ السياسى والاجتماعى فى زمنه. وأتصور أنها ستشكل ثبتًا بالمراجع التى يعود إليها المؤرخون.

 

■ السيرة التى كتبتها لا تخلو من أدب الاعتراف الذى لا يزال غائبًا فى الثقافة العربية.. هل هناك أشياء أخفيتها ولم تبح بها؟

 

ـــ تكمن إحدى النتائج المميزة، لو سمحت لي، فى سيرتى ومسيرتى أنها لم تخل من أدب الاعتراف.. فقد أشرت إلى البيئة التى نشأت فيها بوضوح وإلى أسرتى وكفاحها فى سبيل تعليمنا وإلى أحوال المملكة فى تلك الأيام من الخمسينيات والستينيات قبل زمن الفورة وإلى فضل الكثيرين علي، وعلى رأسهم أمى أمد الله فى عمرها ومتعها بالصحة والعافية. وأشرت إلى تعبها فى تربيتنا.. دللت على البيئة الفقيرة التى كنا نعيش فيها، وإلى بلادى قبل فورة النفط والثروة.. ولم أخف شيئًا إلا ، وبصراحة، ما قد يجرح آخرين، خصوصًا مما أصابونى بالأذى وكانوا أعداء النجاح. 

 

■ تنقلت أحداث السيرة ما بين جدة والقاهرة وباريس.. أى هذه المدن أكثر تأثيرًا فى وجدانك؟

 

ــ المدينة المنورة هى سيدة المدن بالنسبة لي، ثم تأت القاهرة التى كانت فى ذلك الوقت تمنح الشرعية لكل دارس فيها، كانت الوجهة وما زالت المفضلة لي.. القاهرة زمن الدراسة الجامعية فى كلية الحقوق جامعة القاهرة وشرخ الشباب. القاهرة التى تستعيد شبابها الآن فى عصر الرئيس السيسى الذى أعتبره رجل العمران فى التاريخ المصري، الذى ورث عن الفراعنة حبه للبناء والتشييد، ومصر على يديه ترى وسترى خيرا كثيرا.. أحببت باريس وأقيم فيها معظم شهور السنة، هى عاصمة النور والجسر العظيم ما بين الغرب والعالم العربي.. أحب هذه المدن ومدن أخرى كثيرة خصوصا فى المغرب.. أنا ابن هذه المدن مجتمعة ويثير دهشتى حتى الآن عشقى لشوارع القاهرة وباريس وكازبلانكا، كالرحالة العربى القديم المحترف، أحب التجوال ولا أجد فى الانكفاء أى متعة أو فائدة.

 

■ استخدمت لغة ذات مفردات تتعفف عن التجريح الشخصى وإهالة التراب حتى على من اختلفت معهم فى الرؤى؟

 

ــ صحيح ولماذا أجرح فى الآخرين.. إن الذين أفادونى وساعدونى ودعمونى وجدوا منى كل الشكر والتقدير.. والذين اختلفت معهم فى الرؤى كانوا هناك فى جزء من ذاكرتى مفيدين لي.. فالرأى والرؤية الواحدة خطيرة وتجعلك تدور فى دائرة مفرغة. إن الاختلاف خلاق والاختلاف جزء جوهرى للظفر والفوز بالموضوعية.. دعنى أقل لك إننى أحببت من سرت معهم فى نفس الرؤى وأحببت أيضا من خالفونى لأن غياب التحدى الإيجابى والفعال يضر البشرية.

 

■ هل تصلح باريس عاصمة للتنوير العربى الإسلامى لاسيما أنها لا تبعد عن أى عاصمة عربية أكثر من ساعتين بالطائرة ويمكن مناقشة الموضوعات بحرية أكثر مما هو متاح فى العواصم العربية؟

 

ـــ هذا ما استوعبته باكرا، وأسست على ضوئه مركز الدراسات العربى الأوروبي، ليكون مركزًا للتنوير العربى الإسلامى ومتداخلًا مع الثقافة الأوروربية ورابطًا للعقول ما بين الشرق والغرب. ناقشنا تحديات العرب والمسلمين التى تواجههم طوال عقد التسعينيات، ثم الألفية الجديدة.. وساعدتنا الحرية فى فرنسا أن نفتح قوس الحوار إلى كل مجالات الفكر والسياسة والاقتصاد، مما فصلته فى كتابى.

 

■ ما مواصفات الدبلوماسى الكفء من وجهة نظرك؟

 

ــ الدبلوماسى فى تصورى يجب أن يكون منفتحًا على الدولة المكلف بالعمل بها وعلى كل الدبلوماسيين الأجانب الذين يعملون فى السلك الدبلوماسى بها. وألا ينغلق على مجموعة محددة من السفارات والسفراء. كذلك فإنه ينبغى أن يستوعب المؤيدين والمعارضين. حتى لا يكون الخطاب فى اتجاه واحد، ونظل نسمع أنفسنا فقط. وهو الدور الذى قام به مركز الدراسات. 

 

■ نعود إلى تدشينك مركز الدراسات العربى فى باريس.. ما الفرق بين مهام هذا المركز ومهام معهد العالم العربى فى باريس؟

 

ــ المركز والمعهد جديران بالاحترام والتقدير لدورهما الفاعل وإنجازاتهما المشهودة. والمعهد يتابع ما هو ثقافى مشترك بين العرب وأوروبا، لكن المركز وبكل تواضع فتح آفاقا جديدة فى سبيل تعزيز الحوار العربى الأوروبي، لم يعرض منجزا ثقافيا عربيا أو حضاريا لكنه خاض فى الأزمات والتحديات الإعلامية والاقتصادية وملفات المياه والإرهاب، وسمح بتبادل الرؤى ما بين مفكرين عرب وأوروبيين. ثم أن المركز كان يعقد مؤتمراته فى عاصمة أوروبية ثم عاصمة عربية بالتبادل وصنع حالة جدال وتلاقح أفكار تشهد عليه ملفات المركز. 

 

■ إلى متى سيظل حل الأزمات العربية فى يد الدول الكبرى؟ وهل ماتت الجامعة العربية؟

 

ــ لا لم تمت الجامعة العربية ودورها باق ما بقى العرب والمهم أن ندعم الجامعة. وأتصور أن دعم الجامعة يكون فى تخلى بعض العواصم عن بعض الأفكار القطرية المحدودة ودعم قرارات الجامعة أيا كانت طالما أتفق عليها مجلس الجامعة. الجامعة هى بيتنا الأول والأخير.. أما الأزمات فلن تستطيع منع الدول الكبرى من التدخل فيها لأنها لها مصالح متقاطعة مع مصالح الدول العربية. والانسجام والحوار هو السبيل لحل الأزمات وليس الصدام.

 

■ كيف ترى دور القوى الناعمة فى عالم مليء بالصراعات ويتفاقم فيه الظلم؟

 

ـــ تظل للقوى الناعمة أدورا مهمة وهى فى تصورى قوى سياسية وثقافية وحضارية. هل تقول لى إن الإسلام انتشر بحد السيف، إنه انتشر فى نصف آسيا على الأقل عن طريق «التاجر المسلم» و»الرحالة المسلم» و»النموذج الإسلامي».. المهم أن تنجح فى شرح حضارتك التى استقى منها الغرب عن طريق الترجمة أساسيات علومه. ثم تقدموا هم ونحن تخلفنا لأننا تخلينا عن القوى الناعمة.

 

■ كيف يمكن صياغة علاقة جديدة وصحية بين دول العالم العربى ومتغيرات ومستجدات العصر؟

 

ــ الثقة هى مفتاح أى علاقة، وغنى عن القول إن العلاقة بين دول العالم العربى قديمة، لكنها تحتاج إلى الثقة لنكون فعلا عالم عربى بفكر واحد وهدف واحد. ولكل دولة أو لمعظم الدول العربية الآن خطط تنموية، من الواجب أن تعتمد التعليم والثقافة وحقوق المرأة، ونبذ الإرهاب بكل صوره وأشكاله. يقف الإرهاب حجر عثرة فى طريق صياغة مثل هذه العلاقة التى تتحدث عنها.

 

■ يرى هنرى كيسنجر أن الدبلوماسية هى «فن السيطرة على القوة».. ما مفهوم الدبلوماسية من وجهة نظر صالح الطيار؟

ـــ الدبلوماسية هى فن صياغة العلاقات بين الدول عن طريق التفاهم والحوار والاعتزاز بجذورك وأعرافك وأسلوب حياتك وأسلوب حياة الآخرين.

 

■ فى الطبعة الثانية للكتاب.. ما الذى تود أن تضيفه؟

 

ـــ أعدك إذا تذكرت شيئا جديدا سأضيفه.. لقد اعتمدت على الذاكرة لأننى لم أكن أكتب يوميات. وكانت حياتى نشاطا وعلما وسفرا ومؤتمرات وقضايا، إلى أن وقفت يومًا على شاطئ الحياة، وأردت أن يعرف أبنائى وجيلهم كفاحنا فى الحياة، ربما يتعلمون منا شيئًا.

 

■ لماذا قررت العمل بالمحاماة بعد التقاعد؟

 

ـــ لا أخفى عليك.. كنت أحب العمل فى المجال السياسى أو الصحفى والإعلامي، لكن مدرجات حقوق القاهرة جذبتني، وقررت دراسة القانون، على الرغم من معارضة الأهل والأصدقاء.