الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«فوبيا»

«فوبيا»

الكل كان  بيترعب منه فى الشارع وفى السينما... كان عامل «فوبيا «للجميع .. على الشاشة شرانى وعينيه بتخوف حتى الكاميرا اللى بتصوره، وحش قاتل.. الدم بينقط من إيديه وعلى وجهه ابتسامة غريبة . «فوبيا» محمود المليجى خلت الأمهات تخوف بيه العيال.. الناس اتعاملت معاه على أنه زعيم عصابة وقتال قتلة.. وكتير منهم هربوا من الشارع اللى بيمر منه.. واللى اتشجع منهم قال له «نجيب لك فريد شوقى يضربك».. ماحدش كان بيقدر يفصل بين المليجى الحقيقى والمليجى الفنان. «فوبيا» ممكن تكون أكثر وصف  لحياة  محمود المليجى نفسه .. عامل للناس فوبيا وبيترعشوا منه .. والحقيقة هو نفسه عنده فوبيا من الظلام وبيحاف ينام لوحده ومايقدرش يطفى النور  50 سنة كاملة بيجسد أدوار الشر، والقتل والدم بالنسبة له لعب عيال، والحقيقة كان عنده فوبيا من الدم.. وأغمى عليه مرتين من منظر الدم، المرة الأولى عندما رأى الطباخ يذبح فرخة فى نقابة الممثلين.. والثانية فى إسبانيا ووقتها كان بيستعد للمشاركة فى فيلم إيطالى اسمه «روما» وعزمه صديق له يعيش هناك لمشاهدة مصارعة الثيران، ومن شدة خجله لم يرفض الدعوة وهناك وبمجرد مشاهدته للثور ينزف أغمى عليه. «عملاق الشر» وصورته الشريرة المرعبة  التى أصر عليها  المخرجون كانت بتخلى البنات تكرهه .. عملت لهم فوبيا منه ..يعنى مش ممكن فى الوقت ده تلاقى بنت معلقة صورته فى غرفتها جنب صورة رشدى أباظة أو عمر الشريف... وهو نفسه كان عنده فوبيا و بيموت فى جلده من زوجته الفنانة الراحلة علوية جميل، ولدرجة أنه لم يكن يستطيع استقبال ضيوف فى بيته ،وكانت تأخذ أجره بالكامل عن أى عمل وتعطيه مصروفا يوميا. حتى زواجه من «علوية جميل» كان الدافع له فوبيا الخوف من الوحدة بعد فقدان أمه.. وهى الوحيدة التى فازت بميزة الزواج  من المليجى فى النور وبشكل علنى، رغم أنه تزوج وأحب 3 مرات غيرها.. علوية تزوجته عام ١٩٣٩، وكانت تكبره بسنوات، وقتها تعرفت عليه أثناء عملهما معاً فى فرقة يوسف بك وهبى، وأحبته وظلت تبحث عن فرصة للاقتراب منه إلى أن توفيت والدته ولم يكن معه المال الكافى لمصاريف الجنازة فأعطته ٢٠ جنيهاً ، وهو ما جعله يشعر بأنها يمكن أن تحل محل والدته فقرر الزواج منها.   فوبيا «علوية»  هى اللى دفعت المليجى يضحى بحبه الكبير  وأول شعور  حقيقى يسكن قلبه، وتخلى  عن  الفنانة «ل.ص» التى خفق  لها قلبه، تهرب من الارتباط بها  حتى ولو سراً، ومرت الأعوام، وازدادت حاجة المليجى لزوجة وحبيبة، فقرر الزواج سراً عام ١٩٦٣ من زميلته فى فرقة إسماعيل ياسين الفنانة «د.أ»، لكن خبر زواجه وصل إلى  علوية فتجسدت الفوبيا من جديد وأطاع أوامرها بتطليق حبيبة قلبه. وفى نهاية السبعينيات،  وللمرة الثالثة فوبيا علوية جميل أجبرت الشرير المرعب صاحب أقوى نظرة وأشر تعبيرات وجه على أن يطلق الفنانة الراحلة «س.ي» والتى  تزوجها واتفق معها على عدم إعلان خبر زواجهما حفاظًا على مشاعر علوية، لكن علوية عرفت وأجبرته على تطليقها أيضا. «الشرير الطيب» كان عنده فوبيا من حاجات كثيرة، كان بيترعب من الأماكن الضيقة  وركوب الأسانسير بالنسبة له كان من المستحيلات ، ورغم ذلك وافق على دور «النشال» فى فيلم «بين السماء والأرض»1960 للمخرج صلاح أبوسيف، وتكدس مع زملائه فى مصعد معطل، وكأنه يقاوم «الفوبيا» فى حياته الخاصة، ويتحدى ذاته بتجسيد أدوار العنف والإجرام على الشاشة ليهرب من حقيقته ويتخلص من عقده. «أطيب شرير «كان عنده فوبيا  من الموت وسيرته وبيهرب من أى جلسة فيها كلام عن الموت.. وأثناء تصوير فيلم أيوب مع النجم «عمر الشريف ومديحة يسرى»، وتحديدا بعد تصوير المشهد الثالث وخلال الاستراحه طلب «المليجى» فنجان قهوته المعتاد، وبعد أول رشفة  سند  على الكرسى اللى جنبه، وقال لعمر الشريف: «يا أخى الحياة دى غريبة جدا، الواحد فيها ينام ويصحى، وينام  وممكن مايصحاش تانى أبدا  «ثم مال برأسه وسندها بيده  وأغمض عينيه  وأتقن صوت الشخير، انفجر جميع الحاضرين بالضحك، حتى انقطع الشخير، والضحك، وساد الصمت، وفجأة قال عمر الشريف: إيه يا محمود مالك، لكن المليجى لم يجب ليتحسسه عمر الشريف فيجده قد فارق الحياة فى مشهد لم يقل إتقانا عن أفضل مشاهده فى السينما. نموذج «محمود المليجى» هو درس لنا جميعا ألا نحكم على أحد من مظهره الخارجى فقد يكون عكس جوهره الداخلى تماما. الظاهر ليس دائما هو الباطن، حتى لو الظاهر خدعنا لفترة طويلة، لابد من يوم ينتهى فيه هذا الظاهر ويسطع نور الحقيقة.