الخميس 1 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قسمة الحظوظ

قسمة الحظوظ

للمفكر الكبير الدكتور زكى نجيب محمود كتاب بديع بعنوان «افكار ومواقف»  يحتوى على العديد من المقالات الفلسفية الرائعة المميزة... مميزة لأن المقال يتركك فى حالة افضل بعد قراءته عن حالتك قبل فعل القراءة والاستيعاب. من المقالات المميزة مقال بعنوان «قسمة الحظوظ» يبدأ بحديث الدكتور عن احد اصدقائه الذى اصيب بضعف شديد فى نظره جعله عاجزا عن قيادة السيارة أو السير فى الشوارع والطرقات من غير مساعدة ودليل...يذهب هذا الصديق الى صيدلية لشراء بعض الادوية لعلاج عينيه وينظر من خلال الزجاج الى حركة المارة والسيارات فى الشارع ويتحسر على ايام الماضى التى كان يستطيع فيها ان يشاركهم تلك الافعال بمفرده. لم تمر دقائق اثناء حوار الصديق الداخلى إلا ويدخل الصيدلية رجل يمسك بعصا بيضاء...علقها على مرفق ذراعه اليمنى ثم مد ذراعيه متوازيتين امامه يتحسس بهما الطريق داخل المكان خشية ان يصطدم بشىء لا يراه...عندئذ همس الصديق لنفسه ان يا سبحان الله على السرعة التى ارسلت بها السماء جوابا لسؤاله... ثم تذكر بيتا من الشعر العربى القديم يذكر درجات تفاوت الناس فى الحظوظ متخذا شدة الإبصار كمثال وهى تلك التى تتفاوت بين أن يقف الابصار عند درجة الصفر أو درجة العشى أو سلامة البصر أو البصر الحديد-شديد الحدة- حيث قال الشاعر: «سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة...اعمى واعشى ثم ذو بصر وزرقاء اليمامة». ثم يدخل هذا الصديق فى تفكير سلبى يائس متحدثا عن قيود القدر والحظوظ التى لا دخل لنا فى قسمتها ولا ارادة فأين هى حرية الاختيار وان الانسان مخير؟ يرد الدكتور زكى نجيب محمود على هذه الخاطرة موضحا ان بها خلطا خطيرا يقع فيه  الكثير منا ...على الرغم من القيود وهى امر طبيعى يحدث للجميع الا انه توجد حرية داخل تلك القيود وضرب لذلك مثالا بلعبة كرة القدم والتى على الرغم من ان الملعب له حدود واللعبة لها قيود وقواعد الا ان اللاعبين لهم حرية التحرك واللعب داخل ذلك الاطار وانهم لو نظروا الى تلك القواعد والحدود على انها مقيدة لهم وانها بمثابة اعلان توقف وعدم حركة لما تقدم احد الفرق واحرز الاهداف. ولذلك مهما كانت الظروف والقيود فنحن نرى امثلة فى غاية التميز تتفوق على الرغم من ذلك... فترى طالبا فقيرا جدا وظروفه المادية والعائلية فى غاية السوء وربما يحتاج الى ان يعمل او يترك المدرسة الا انه لا يترك الدراسة.... حيث يقوم بالالتحاق بالدراسة واستذكار دروسه اثناء العمل او على ضوء اعمدة الانارة مثلا ثم يتقدم للامتحانات ويتفوق وينجح ثم يلتحق بعمل مناسب وتتغير حياته. على الجانب الآخر تجد زميلا له يندب حظه ويلقى باللوم على القيود والقواعد والظروف ثم يتخذها ذريعة للاستسلام والضياع فى دوامة الحياة. تغريدة: «ما اذا كنت تعتقد انك تستطيع او لا تستطيع ففى الحالتين انت محق»- هنرى فورد