الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تفاهة الساخرين

تفاهة الساخرين

إن تمتلك رأيا فى مختلف القضايا والموضوعات، فهذا حقك، بل هو واجبك، تجاه وطنك ومجتمعك وأهلك وناسك، لكن أن تسخر من كل شىء، وتتهكم على أى شىء، فهذا ليس من حرية الرأى، ولا أصلا يمكن اعتباره حقا من الحقوق، لأنك إذا كنت تمتلك الحق فى نقد الآخرين، الا أنك لا تمتلك الحق فى السخرية من الآخرين.



 

ما سبق ليس مقدمة نظرية، أو تحليلا فلسفيا لظاهرة ما، لكنه للأسف واقع نعيشه، سقط البعض فيه، وتحول إلى شخصية تهكمية، لا تملك من أمرها الا السخرية من كل شىء محيط بها، فعكست حالة خواء فكرى، وضعف شخصية حقيقية، تعجز عن تعقل الأمور، فلا تملك سوى الاستهانة والاستهزاء بالآخرين.

 

قبل أيام تعرضت البلاد لموجة قاسية من الطقس السيئ، تساقطت فيها الأمطار بكمية بلغت 500 مليون (نصف مليار) متر مكعب من المياه فى يوم واحد، وهى ظاهرة، لم أشاهدها فى عمرى الطويل، الا النصف الأول من الستينيات، حين تساقطت مكعبات من الثلوج، على رءوس السائرين، واسطح منازل الهاربين داخل ديارهم، خوفا مما نشاهده.

 

لك أن تتخيل 500 مليون (نصف مليار) متر مكعب من المياه، وظاهرة لم نشاهدها منذ منتصف الستينيات، ويطل عليك من يجلس تحت البطانية، ساخرا مما يعتبره عجز الدولة، عن التعامل مع الظاهرة، وفشل قدرتها على استيعابها، دون ان يستوعب هو شخصيا، معنى هذه الظاهرة، ودلالة كميات المياه، التى هطلت فجأة على البلاد.

 

الساخرون لا يمتلكون سوى الاستهزاء بالآخرين، وهم يعجزون عن التفكير والتدبير، ولوقرر احدهم، إعمال العقل ولوقليلا، سيكتشف حقيقة الأمر، فالدولة لم تتعامل مع ظاهرة الطقس منذ لحظة سقوط الأمطار، لكنها قدمت دليلا جيدا على التعامل المبكر مع الاخطار.

 

قبل خمسة أيام من الحدث  ومنذ لحظة رصد مؤشرات موجة الطقس بدأت اجهزة الدولة فى التعامل مع الأحداث المتوقعة، كان هناك التفكير الواضح فى النأى بالناس عن دوائر الخطر، فكان قرار الإجازة تعاملا مبكرا، وإجراءاوقائيا احترازيا، رفيع المستوى انقذ أرواح العديد والعديد من البشر، وكان بعده سيل لقرارات متعلقة بالتنظيم الإدارى لدوائر الخدمات، فى اطار توجيهات محددة، ورؤية تنفيذية، لتسخير كل ادوات الدولة، من أجل التعامل المباشر، وتقليل حجم الخسائر المادية والبشرية، واستيعاب تداعيات ضخامة المياه المتساقطة، على قدرات البنية التحتية وخصوصا قنوات الصرف.

 

لكن ذلك كله لا يمنع الحديث عن ضرورات امتلاك تصور لتطوير البنية الأساسية، صحيح اننا بلد لا يعيش فى مناخ يتطلب منه واقعا مغايرا، لكن المؤشرات كلها تتحدث عن تحولنا الى مناخ مختلف، وهناك دلائل عديدة تؤشر إلى متغيرات مناخية، ربما تتناقض مع ما عايشته البلاد لقرون طويلة، وهى كلها دلائل تحتاج من دوائر القرار التوقف والتبين، والدراسة والتحليل، للبدء مبكرا فى البحث عن انسب الوسائل والسبل، للتعامل مع هذه المتغيرات البيئية، بدلا من الانتظار إلى وقت لا ينفع فيه رأى ولا سخرية. الدول الكبيرة تستشرف المستقبل مبكرا.