
صبحى شبانة
مصر والسودان.. حتمية العودة إلى التاريخ المشترك
اتسمت المعالجة المصرية لانحياز السودان الشقيق للموقف الإثيوبى بالهدوء والحكمة وهو ما يعكس الفهم العميق لصانع القرار السياسى المصرى بما عليه الترويكا الحاكمة فى الخرطوم التى فيما يبدو ان جناحا فاعلا منها لايزال واقعا تحت تأثير بقايا نظام المخلوع عمر حسن البشير الذى حكم السودان لثلاثين عاما شوه خلالها العلاقات المصرية - السودانية مدفوعا بأيديولوجية نفعية كريهة امتطت راديكالية أفكار الاخوانى المتطرف حسن الترابى الذى استخدم البشير لتحقيق أهدافه التى كانت تتجاوز حدود وإمكانيات السودان قبل أن يزج به الأخير فى السجن.
جاءت زيارة الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتى»، النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السودانى للقاهرة، يوم الاحد الماضى ردا للزيارة التى قام بها اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرى للخرطوم الأسبوع الماضى، لتعيد الدفء مجددا الى العلاقات المصرية السودانية وتبدد البرود الذى خيم على الجانبين بعد انحياز السودان إلى موقف إثيوبيا فى أزمة مفاوضات سد النهضة، وحدوث تراشق اعلامى عبر بيانات متبادلة بينهما بسبب صدور قرار من جامعة الدول العربية يؤيد موقف مصر، وسجل السودان اعتراضه رسميا عليه.
العلاقات بين الدول تختلف عنها بين الافراد، تحكمها قواعد وآليات ومعايير تعلى من قيم المصالح المتبادلة، والتوازن فى الرؤى، وترسخ من الثوابت المشتركة،،، مصر والسودان نموذج غير مكرر لديمومة التاريخ الواحد، والمصير المشترك، البلدان شعب واحد شكل حضارة وادى النيل منذ الأزل، فشلت كل محاولات الشقاق والفرقة على مر التاريخ، فلم تفلح الأيديولوجيات المغرضة فى شق جنوب الوادى عن شماله، ولم تنجح محاولات بث العنصرية البغيضة فى قطع صلات الرحم بين شعبين يعيشان على المودة المتجذرة العصية على التلاعب بها والنخر فيها . يظلّ السودان الشقيق بلدا فى غاية الأهمّية لمصر بعيدا عن كل التجاذبات الراهنة سواء فى الإعلام أو بين العامة على وسائل التواصل الاجتماعى، مصر مطالبة الآن أكثر من أى وقت مضى بمعاونة السودان على تأسيس دولة حديثة تنتمى إلى العالم المتحضّر المتصالحة مع شعبها ومع العالم بعدما جرها تنظيم الإخوان الى الخلف لعقود طويلة بل ربما إلى قرون.
حسنا فعلت مصر التى تدرك أن فلول نظام البشير يسعون لإرباك السلطة الحاكمة هناك، تمهيدا لاستعادة زمام الأمور إلى تنظيم الإخوان بالتنسيق مع التنظيم الدولى الذى يديره إردوغان وتنفق عليه الدوحة بسخاء، تركيا وإيران متورطتان فى سد النهضة بالشكل الذى يصيب الشعب المصرى بالضرر الجسيم، فأموال الدوحة فى السودان وإثيوبيا لها طابع سياسى وليس تنمويا يتم توجيهها واستخدامها ضد مصالح الشعب المصرى ولصالح احقاد وأطماع اردوغان بما يمس سيادة السودان الذى يعانى اقتصاديا، وإثيوبيا التى تصر على الإضرار بمصر فى حاجة لحشد أعداء مصر وشعبها.
مصر والسودان مطالبتان الآن بالتوحد فى مواجهة الأخطار التى تهددهما وأولها سد النهضة الذى يضر بالسودان كما يضر بمصر على عكس الوعود الإثيوبية المخادعة لحكومة الخرطوم الذى عليها استحضار كل ما تملصت به إثيوبيا من وعود لمصر طيلة التسع سنوات من المفاوضات المضنية التى كانت السودان شريكا فيها وشاهدا عليها.