
صبحى شبانة
المواطن والدولة فى مواجهة كورونا
يبدو المشهد حول العالم كأنه أحد أفلام الخيال، فيروس كورونا المتناهى الصغر يحكم قبضته على أكثر من نصف الكرة الأرضية، من كان يتوقع أن يجبر هذا الفيروس أكثر من مليار إنسان حول العالم على ألا يخرجوا من منازلهم وتتوقف حياتهم لأسابيع وربما لشهور، العالم يتغير، السلوك البشرى يتغير، واقعنا يتغير، حتما مستقبل الجنس البشرى سيتغير، فعالم ما بعد كورونا لن يكون أبدا مثل ما قبله كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس، بعدما عجزت الدول الصناعية والأكثر تقدما عن مواجهة كورونا رغم التقدم المذهل لإمكانيات وقدرات منظوماتها الصحية ومؤسساتها المدنية، حالة من العجز عبر عنها رئيس وزراء إيطاليا جوسيبى كونتي، بقوله « لقد انتهت جميع الحلول على وجه الأرض.. الحل متروك للسماء»، بعدما شاهد الجثث تتراكم فى بلاده، وقوائم انتظار إتمام مراسم الدفن وحرق الجثث تطول.
الدولة المصرية واجهت منذ البداية احتمالات تفشى فيروس كورونا المستجد بإجراءات احترازية صارمة وسنت حلولا وبدائل راعت فيها خصوصية وعواقب قراراتها على معيشة وحياة المصريين، خصوصا الفئات والشرائح الاجتماعية والمهنية الأكثر تضررا، وأطلقت حزمة من القرارات الاقتصادية لتعويض تلك الفئات المتضررة من كورونا التى داهمت العالم وأربكت حساباته وأوقفت من تطوره، الدولة المصرية أعلت من دور الفرد للقيام بمسئوليته تجاه المجتمع وبذلك تكون قد ألقت بالكرة فى ملعب المواطن كى يضطلع بمسئوليته تجاه حماية أسرته ومجتمعه وتكون بذلك قد رسخت من قيم ومبادئ العلوم السياسية التى هى وفق كل المفاهيم مسئولية الفرد إزاء الجماعة، الدولة المصرية نجحت حتى الآن بكل أجهزتها فى إدارة الأزمة فى الوقت الذى فشلت فيه دول كإيطاليا التى صنعت عصر النهضة وسادت العالم الحديث، وبها الفاتيكان الذى يعد العاصمة الروحية لغالبية مسيحيي العالم.
الحرب على كورونا تتطلب وعيا أكثر من المواطن، ودورا أكثر للفرد، فالعلاقة بين الدولة ومواطنيها أساسها التكامل والتعاضد، الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الحكومة المصرية لا يمكن لها أن تحقق نتائج مرجوة إلا بالالتزام الكامل من الفرد الذى هو نواة المجتمع، والهدف الرئيس الذى تسعى إليه الدولة لحمايته، ورفاهيته، وسلامته، الأوضاع خارج مصر جد خطيرة بل مهولة، لا تستهينوا بفيروس كورونا اللعين فقد حول مدنًا كانت عامرة وحصينة بالأمس، كانت تنعم بالحياة والرفاهية مثل بارما وروما وميلانو ومدريد وبرلين وكاليفورنيا ونيويورك وغيرها إلى مدن أشباح، الذباب الأزرق يغطى سماواتها، ورائحة الجثث المحروقة تغطى ما سواها من روائح.
علينا أن نتعلم كبشر من عالم النمل حينما شعرت نملة بالخطر عندما رأت جند سليمان يقتربون، قالت كما ورد فى قوله تعالى: «حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»، علينا أن نأخذ حذرنا ونمكث فى منازلنا، النمل معلم للإنسان فى معظم الأزمان.