الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإرهاب والإعلام 2/2

الإرهاب والإعلام 2/2

يندر أن تتجول عبر مواقع التواصل الاجتماعى المعروفة ولا تصادف أحد الحسابات التى تروج للفكر الإرهابى بطريقة أو بأخرى، بل أصبح الأمر ظاهرة تحاول إدارات هذه المواقع الحد منها دون جدوى، فالمنظمات الإرهابية ترى فى هذه المنصات أرض خصبة لنشر أفكارها والقيام بالمزيد من عمليات التجنيد والحصول على الكثير من أموال التبرعات.



اللافت بأن هذه الحسابات ليست عشوائية كما يظن البعض، فانتشارها يدار من خلال منظومة متكاملة مدروسة تعمل ليلا نهارا للوصول إلى الأهداف الموضوعة، وهذه الحسابات لدى مراقبتها ترى أن بعضها يعلن صراحة عن هويته رغم إمكانية حذفه، وهى حسابات موجهة إلى المندفعين بطيش وراء الأفكار الإرهابية ويعتبر إيقاعهم سهلا جدا، وحسابات أخرى من الممكن تسميتها بأنها التسميات المقنعة، أى على طريقة «أنا لست إخوانيا لكن أحب الإخوان» أو «أنا لست داعشيا بل مؤيد لدولتهم الإسلامية»، وهذه الحسابات تقوم بعملية نشر الأفكار الشيطانية عن طريق نقل من حسابات ناشطين معروفين أو نشر صور وأخبار مفبركة والتركيز على نقل أخبار قنوات معينة كالجزيرة والشرق وغيرها بالإضافة إلى الإعلاميين المعروفين فيها، ودور هذه الحسابات إغراق السوشيال ميديا بكمية هائلة من الأخبار والمعلومات المسمومة خدمة لسياسات قطر وتركيا وحزب الإخوان الإرهابى والمنظمات الإرهابية الأخرى كداعش والنصرة وغيرها ومحاولاتها المستميتة للبقاء بأكثر من بلد خصوصا مصر والمملكة العربية السعودية.

أما القسم الثالث من هذه الحسابات فهو حسابات الفتيات اللواتى يقمن بإغواء الشبان للوصول فى نهاية المطاف إلى تجنيدهم للقيام بعدها ببعض العمليات الخاصة بهذه التنظيمات أو القيام بعمليات مراقبة وغيرها من الأمور التى قد لا يستطيع عناصر التنظيمات الإرهابية المعروفين القيام بها هربا من الملاحقات الأمنية كونهم أصبحوا أو على الأقل معظمهم معروفين وتحت المراقبة.

فتجربة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام أو داعش مع التواصل الاجتماعى كانت ناجحة إلى حد بعيد، استطاع التنظيم من خلالها نشر فكره وفتاويه المسمومة بالإضافة إلى تجنيد آلاف الشبان حول العالم، ولا يزال التنظيم معولا على هذه الطريقة للبقاء على قيد الحياة، ونفس الحالة تنطبق على الاخوان لتعويض الخسائر التى لحقت بهم فى المنطقة واقصائهم واقصاء مشروعهم بالسيطرة.

وتستغل هذه التنظيمات الاوضاع المستجدة لبث سمومها، فحتى قضية انتشار فايروس كورونا والذى أصبح وباء قامت هذه الالة الاعلامية ببث الشائعات والفيديوهات والصور المفبركة لإثارة الرعب والذعر والإيحاء بعجز العمل الحكومى لاحتواء الأزمة، بينما الحقيقة معاكسة تماما، وكل هذا يندرج فى إطار التأليب ضد الحكم وأن كل ما يجرى للمواطنين هو بسبب اقصاء الإخوان عن الحكم، خدمة لمصالح كل من تركيا وقطر السياسية، وفى معظم الحالات تقوم الفضائيات المشبوهة والمواقع الإلكترونية بإعادة نشر هذه المعلومات على أساس أنها أخبار ومعلومات موثوقة من مواطنين نشروها على مواقع التواصل، أى أنهم يخترعون ويفبركون الخبر مع مصدره لينقلوه عبر منصاتهم الإعلامية فى محاولة منهم إعطاء مصداقية للخبر الذى اخترعوه هم من الأساس.

ولا شك أن مواجهة هذه الأمر - المعضلة - ليس بالأمر الساهل، خصوصا أن مواقع التواصل أو السوشيال ميديا أصبحت مصدر الاخبار للكثيرين، وبالتالى فإن انتشار الأفكار السمومة والمدسوسة أصبح أمرا شائعا، ولا تكفى التبليغات التى تؤدى إلى إقفال هذه الحسابات أو قيام الشركات بإقفالها لأنها ستعاود الظهور باسم آخر وبصورة بروفايل أخرى لمعاودة العمل من جديد، لذا فالمطلوب إيجاد منظومة إعلامية متكاملة والتى لا يمكن أن تنجح إلا بدعم من الحسابات النشطة على هذه المنصات إن كانت خاصة بإعلاميين أو ممثلين أو ناشطى مجتمع مدنى، للتركيز على الإيجابيات ونشرها على أوسع نطاق وليس بالضرورة مواجهة الشائعات فقط وملاحقتها، أى مواجهة الشائعة بطرق غير مباشرة.

علما بأن المؤسسات الدينية قطعت شوطا ممتازا فى هذا المجال من خلال تفنيد مزاعم وأقاويل الجماعات الإرهابية، وتأكيد تسميم الأفكار الدينية ونشر الفتاوى المفبركة التى تخدم مصالحها، وترافق هذا مع انفتاح ملحوظ لدى هذه المؤسسات وهو أمر مهم جدا، كونه يقرب فئة الشباب مجددا من هذه المؤسسات بعد فترة التشويه التى لحقت بها بسبب اختراقها من قبل هذه الجماعات والإيحاء بأن الفكر المتطرف يصدر عن هذه المؤسسات، والأمر هذا ليس محصورا فى بلد معين بل يمكن اعتبار كل من مصر والسعودية كمثال على النهضة الحقيقية التى تشهدها المؤسسات الدينية الأساسية والرسمية.

وقد يقول البعض ما الرابط ببن المؤسسات الدينية والحديث عن الإعلام الإرهابى، فالرابط وثيق جدا كون الدين يحتل حيزا كبيرا من أفكار الجماعات هذه، بل يعتبر الأداة والأساس لنشاطهم وتوسعهم ولطالما كان كذلك منذ نشأتها، وبالتالى فإن المنظومة المتكاملة لا بد من أن تحظى بكل الأركان، نشاط جماعى مكثف على مواقع التواصل وإعلامييهم مميزين يعملون بطريقة قريبة من الشارع بعيدا عن التصنع والتزلف، بالإضافة إلى نشاط إعلامى مميز موجه بالطريقة الصحيحة وبالطبع منظومة دينية تعمل بالطرق والوسائل الحديثة سعيا لكسب المزيد من الثقة التى كانت مفقودة.

النشاط الاعلامى الإرهابى لن يتوقف، بل على العكس سيزداد فى الفترة المقبلة كونه الأمر الوحيد المتاح أمامهم لبقاء على قيد الحياة، وستزداد سمومهم وفى المقابل ستزداد المواجهة بشراسة والتى لا بد أن تصل لهدفها المنشود بالقضاء عليه ولو جزئيا على الأقل فى الوقت الحالى إلى أن يحل الوقت ويصبح عقيما بالتزامن مع إنجازات حقيقية تضحد أكاذيبهم وأخبار إيجابية تناقض سلبيتهم الدائمة.