السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ما بعد الباغوز

ما بعد الباغوز

فى نفس من العام الماضى أعلن التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب وقوات سوريا الديمقراطية انتهاء المعركة مع تنظيم داعش فى سوريا، وإنهاء دولته المزعومة، بعد حصار لما تبقى من عناصر التنظيم فى بلدة الباغوز الواقعة عند أطراف محافظة دير الزور السورية، إلا أن بيانات الانتصار وقتها شددت على إنهاء الدولة والانتشار وربح المعركة وليس الحرب، مع التأكيد على سقوط آلاف الشهداء من مقاتلى سوريا الديمقراطية والمدنيين الذين وقعوا فريسة التنظيم وعناصره وتحولوا إلى دروع بشرية.



فالحرب على التنظيم لا تزال مستمرة للآن، وبوتيرة متصاعدة إن كان ذلك فى سوريا أو العراق، فخلايا التنظيم لا تزال تنتشر فى المنطقة، والتى يطلق عليها الخلايا النائمة وعناصر الذئاب المنفردة، والتى لا تزال للآن تعمل على بث الرعب فى صفوف المدنيين العراقيين والسوريين على حد سواء، وفى المقابل تستمر عمليات الدهم والاعتقال من قبل القوات الخاصة المدعومة بخلفية شعبية باتت ترصد أى تحركات لعناصر التنظيم لتقوم بالإبلاغ عنها، والخطر الآخر هو من تبقى من حاملى فكر التنظيم، والذين لا يزالون يعتقدون بفكرة الدولة المزعومة القائمة على تخاريف وتحريفات للآيات الشريفة.

الخطر الثالث هو معتقلو عناصر التنظيم فى سجون قوات سوريا الديمقراطية، والذين يصل عددهم الى أربعين ألفا على أقل تقدير، حتى إنهم قاموا فى سجن مدينة الحسكة بعملية عصيان شاملة وقاموا بتحطيم الجدران الداخلية للسجن وأبوابه فى محاولة منهم للهروب أما باتجاه منطقة الشدادى أو باتجاه الحدود العراقية السورية للعودة إلى العمل العسكري، وذلك رغم التدابير الاحترازية والأمنية التى تقوم بها قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن الكثافة العددية لهؤلاء والذين يفوق عددهم الخمسة آلاف معتقل فى سجن الحسكة، جعلت منهم قنبلة موقوتة انفجرت فى وقت ينصرف فيه الجميع لمجاهة الوباء القاتل الفتاك، مع الإشارة إلى أن تحرك الإرهابيين هذا يتزامن مع الذكرى السنوية لمعركة الباغوز، ومعظمهم تم اعتقاله هناك، فليس من المنطقى أن يكون التحرك عفويا أو ابن لحظته، بل هو أمر مخطط له ومدبر بتنسيق لا يستطيع عناصر داعش تأمينه من الداخل دون أى ايعازات أو أوامر خارجية.

وبالتالى فالسؤال يطرح نفسه، من اين يستمد هؤلاء قوتهم وإصراهم وثقتهم بتلقى الدعم وتأمين الاحتياجات اللوجستية الغذائية والعسكرية، فالجواب سهل جدا بوجود البلد الأم للإرهاب أى تركيا، فليس من باب الصدفة أن يتحرك هؤلاء بحرية فى ظل التوغل التركى فى الأراضى السورية، وانتشار آلاف العناصر المرتزقة التابعين لها والقسم الأكبر منهم كان بالأمس القريب يحمل لواء التنظيم الإرهابي، وليس بغريب أن يستمر وجود تنظيم داعش فى منطقة ادلب تحت الحماية التركية، وغالبيتهم كانوا من المحاصرين فى الباغوز ودير الزور فاختفوا لفترة وعادوا الى الظهور وبقوة فى ادلب، علما ان المنطقة محاصة بشكل مكم إلا من جهة الحدود التركية.

فتركيا كانت الداعم الاساسى لتنظيم داعش ولا تزال، وبالتالى لا سبيل للانتهاء من هذا الوباء الإرهابى إلا بالقضاء على المخطط التركى من جذوره، فالتنظيمات الإرهابية بدءا من تنظيم الاخوان الإرهابى ومرورا بالقاعدة وجبهة النصرة ووصولا الى داعش تتلقى الدعم المباشر من تركيا وتنفذ المخططات التركية فى المنطقة باكثر من بلد، بغرض فرض السياسة التركية ووضع بعض الدول تحت الأمر الواقع لإحداث تغييرات استراتيجية سياسيا وعسكريا، إلا أن المخططات التركية للآن لا تزال تجهض بإصرار كبير من دول المنطقة التى باتت تعى تماما الخطر الكامن إذا ما تم الاستسهال بمعالجة هذا الملف.

مرحلة ما بعد الباغوز ربما هى أخطر من معركة الباغوز نفسها، فالحرب مستمرة إلى حين القضاء على التنظيم وبقاياه، فى ظل تقاعس دولى تجاه المسالة، اذ ان غالبية العناصر المعتقلة هى عناصر اجنبية ترفض حكومات بالدهم الاعتراف بهم، ومن بقى خارج دائرة الاعتقال لا يزال يحمل الفكر المسموم فى محاولة لإحياء الدولة المزعومة، ورغم قيام الإدارة الذاتية بقطع شوط طويل فى محاربة الفكر الإرهابى ومشاركة جميع مكونات الشعب السورى بإدارة مناطق شمال وشرق سوريا، إلا أن محاولات التشويه والتحريض مستمرة من قبل الآلة الإعلامية الإخوانية التى لا تتوانى عن زرع بذور الفتنة والانقسام والتحريض الطائفى والقومى والعشائرى خدمة للمشروع التركي، من خلال المنصات الإعلامية التابعة لها إن كانت مواقع تواصل أو وسائل إعلامية لينجرف معها البعض، وهم نفس الفئة الذين سبق لهم وأن هللوا للتنظيم واستفادوا منه ماليا وسلطويا. ومن المؤكد أن أم الإرهاب الحنونة تركيا ستسغل خلال الفترة المقبلة الأوضاع الاستثنائية المتخذة بسبب انتشار الوباء القاتل، لتمارس المزيد من التهديدات الأمنية بدلا من التكاتف والتهدئة الانسانية لمواجهة أمر لا يرحم ويميز بين دين أو قومية أو لون، فهكذا هم الإرهابيون وهذه عقليتهم المبنية على الدماء وسفكها بأى زمان أو مكان.