الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«عماد الدين حسين» والحنين إلى الإخوان!

«عماد الدين حسين» والحنين إلى الإخوان!

أنا على علم بعلاقة الزميل أحمد باشا رئيس التحرير المميزة بالكاتب الصحفى الكبير عماد الدين حسين، فضلا عن متابعة السيد حسين لمقالاتى هنا وظنونه الكثيرة فيمن أكون.



العلاقة بين «باشا وحسين» كانت محل حرج بينى وبينه فيما تناولى بالتحليل مواقف الأستاذ عماد الدين حسين التى لا تروق لى كثيرا لما بها من ثقوب وعوار فى تقديرى، وكثيرا ما توقفت أمام تناول العديد من مقالاته لخصوصية العلاقة تلك فضلا عن التقدير العام الذى يحظى به الأستاذ حسين وأرجًو أن يتسع صدره قدر اتساع صدورنا لكتاباته!

فى ١٥ مارس ٢٠١٧ نشر السيد حسين فى جريدة الشروق التى يرأس تحريرها مقالا بعنوان «جربوا الإفراج عن بعض مسجونى الإخوان» ومضمون المقال هو تفصيل لما جاء صراحة بالعنوان.

وقبل يومين نشر مقالا بعنوان «الفرصة الذهبية التى ضيعها الإخوان» والذى تخيل فيه أن أزمة وباء كورونا قد منحت الإخوان فرصة لتحسين صورتهم أمام الشعب المصرى إلا أنهم ضيعوها بفعل نهج إعلامهم المعادى للدولة المصرية!

عامان كاملان بين المقالين وهو مايعبر عن أن فكرة إعادة دمج تنظيم الإخوان فى جسم الدولة المصرية هى فكرة محورية لاتزال لم تبرح ذهنية الكاتب وهى نتيجة تطرح الاحتمالات التالية :

١- إما أنها قناعات شخصية لأسباب إنسانية وتواصلات مع بعض الإخوان المحبوسين الراغبين فى الحصول على عفو رئاسى. ٢- هناك اتصال خفى مابين الكاتب والتنظيم الذى يجس نبض الدولة من خلاله من حين لآخر!

٣- ربما يكون الكاتب هو واجهة ولسان حال لمالك الجريدة إبراهيم المعلم ابن القيادى الإخوانى محمد المعلم، ناشر كتب سيد قطب منظر إرهاب التنظيم الإخوانى، وكتب يوسف القرضاوى مفتى الدم، وهو من حصل على تمويل من قناة الجزيرة عندما كان ينتج حلقات مع هيكل لصالح القناة القطرية من خلال شركته الشروق للإنتاج الفني.

وبعيدا عن صحة الاحتمالات الثلاثة التى من المؤكد درجة الصحة فيها عالية فإن المقال الأخير الذى تخيل فيه السيد عماد وجود فرصة ذهبية ضيعها الإخوان كان يجب أن يكون بعنوان «الفرص الذهبية التى ضيعها عماد حسين ومعلمه»!

 عند استعراض الأخطاء الفكرية والسياسية التى ملأت جنبات المقال من أوله إلى آخره والتى سنوجزها فيما يلى:

١- الكاتب عماد الدين حسين فى مقاله مازال متخيلا ان الإخوان «مكون مصري» يمكن إعادة اندماجه فى كيان الدولة المصرية وهو احتمال وهمى غير وارد لأن العلاقة بين الدولة والتنظيم أصبحت صفرية وجودية.. فإما الاخوان وإما الدولة.. وكلاهما يدرك ذلك جيدا!

٢-تعامل الكاتب مع التنظيم وإعلامه باعتبارهما يملكان أمرهما وهو محض خيال لان التنظيم تورط فى معركة دولية خارجية ضد مصر ولم يعد يملك أمر نفسه بل اصبح رهينة لأجهزة أجنبية وسياسات اقليمية تجاهر بالعداء لمصر.

٣-الكاتب عاد بالجماعة الى مساحات السياسة محاولا منحها ميزة نسبية لا تستحقها ولا تريدها أساسا لأنها لن تبرح مساحات الإرهاب التى أصبحت مستقرا وموطنا لها، بل ان منهجها الجديد يهدف لإفراز كوادر عنيفة يمكن جدا أن تتوحد مع أفكار القاعدة وأفكار داعش وتقف معهم على ارضية هدم الدولة المصرية.

٤- تحدث عن فرصة كانت متاحة لحل الأزمة كما لو كان التنظيم والدولة طرفين على قدم المساواة، مع ان الواقع يقول انه ليس هناك ازمة بل هناك مواجهة تديرها الدولة مع تنظيم متورط فى الدماء و التخابر.

٥- تحدث عن خطاب اخوانى يكون اساسه الجانب الانسانى وهو بذلك يكشف عن جهل شديد بحقيقة الفلسفة الاخوانية التى تمثل خطورة على الانسانية وتستبيح الدماء من اجل بقاء التنظيم وهو ما دفعهم لقتل المصريين حول مكتب الإرشاد عشية ٣٠ يونيو وقتل كوادرهم فى رابعة.

٦- طرح الكاتب سؤالا بصيغة العتاب للتنظيم قائلا: وما الذى سيدفع الدولة للتفكير فى الإفراج عن بعض الاخوان فى السجون، وهنا بدأ كمن يوجه رسالة مزدوجة الاولى للاخوان حيث يدعوهم للعودة للتقية وخداع الدولة لحين الإفراج عن كوادرهم، والثانية رسالة استدراجية للدولة لعلها تفرج عن بعض الإخوان لتجنب سخافاتهم التى تخيل انها تؤرق الدولة!

٧- دعا السيد عماد الدين حسين صراحة لتجاوز لحظة ٣٠ يونيو ولحظة ٣يوليو رغم علمه انها لحظة التوحد المصرى المتفردة ضد التنظيم العصابى، وهو بذلك يدعو لإخراج الشعب المصرى من المعركة لتفقد دولة يونيو مصدر شرعيتها الاساسى.

٨- أنهى مقالة باستشهاد ادبى استدعى فيه اسطورة اغريقية ليكشف اشفاقه على التنظيم من البقاء فى العذاب الأبدى ليوحى بمظلومية غير حقيقية لان التنظيم لا يواجه عذابا..بل عقابا على جرائم ارتكبها فى حق مصر والمصريين!

بعد استعراض مجمل الأخطاء والخطايا نتجه الى تحليل مضمون ما نشر فى جريدة الشروق التى يبدو ان بداخلها تيارا مسيطرا ومصرا على عودة شروق شمس الاخوان من بين سطورها.

بتحليل ما كتب سنجد اننا امام تيار فكرى لديه حنين شديد لعودة الاخوان للمشهد بعدما أدمنوا حالة ان يكونوا مستخدمين ومركوبين من الاخوان الذين كانوا يمنحونهم مساحات سياسية تدفع بهم الى مواقع نجومية اعلامية، لينكشف بذلك تيار سياسى كامل انتحل صفة النخبة وساهم فى التدليس على المصريين بان الاخوان فصيل وطنى ليكتشف الشعب المصرى انه قد تعرض لاختطاف من تنظيم عصابى له مشغل اجنبى.

أيضا كشف ما نشرته الجريدة ولو بغير إدراك من عماد الدين حسين - بفرض حسن النوايا- عن وجود تيار كان ينتحل صفة المعارضة دون وجود سياق سياسى فكرى، وبدل من ممارسة المعارضة فقد ظل هذا التيار يمارس الاستعراض من خلال تقديم فقرات وليس صناعة سياقات فكرية، فلما كشف الشعب المصرى حقيقة التنظيم الإخوانى وأقصاه اختفت تلك الزوائد السياسية وأحيلت للمعاش السياسى المبكر لأن سياق الدولة الجديدة فرض حالة عمل شاق لم تعتد عليه تلك المجموعات التى ظلت تُمارس التنظير من أعلى طاولات المقاهى دون ان يكون لأى منهم تجربة عملية حقيقية لادارة اى شيء، وقد اعقب إقصاء الاخوان رحيل الكاتب محمد حسنين هيكل الذى كان عرابا وأيقونة ومنظرا لتلك المجموعات التى كانت ترى ان مجرد الاقتراب منه او مجالسته والاستماع له دون تعقيب هو انجاز حقيقى.. وبرغم تجربته الذاخرة إلا أن أيا من تلك الشخصيات لم تحقق مهنيا او سياسيا شيئا يذكر فى ميزان الحياة ولكنها تعلمت منه القدرة على الصياغات الرنانة التى لا تلامس اى تجارب عملية على ارض الواقع، فتراهم كانوا يبهرون الجمهور بحالة نضال شفوى ليس له ظهير شعبى، فلما مات هيكل الذى كان بمثابة مرشدهم وصاحب البيعة السياسيه، نقول لما مات هيكل دون أن ينقل الراية لرمز يشبه فقد حوارييه اتزانهم ولم يعد يمكن رؤيتهم بالعين المجردة فتلبستهم حالة الحنين اللاإرادى لاعادة الالتصاق بالاخوان الذين يجب ان يعودوا للمشهد لكى يعيش هذا التيار فى مساحات السجال التى ستنشأ ما بين التنظيم والنظام.

قريبا لا تندهش عندما نجد رموزا إخوانية تتبوأ مقاعدها المعلنة فى احزاب انتحال صفة اليسار والليبرالية، ولا تندهش عندما تجد تحالفاتهم قد عادت لدعم قوائم بعينها فى انتخابات النقابات المهنية.

إلى دولة ٣٠ يونيو كم أنت عظيمة.. كم أنت كاشفة.