الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ماذا جرى لكم.. يامصريين؟!

ماذا جرى لكم.. يامصريين؟!

رجاءً من القلب.. ألا تقطِّبوا جبينكم دهشةً واستنكارًا لما حدث فى مسألة الاعتراض على دفن الطبيبة المتوفاة بـ  «فيروس كورونا» بإحدى القرى فى محافظة الدقهلية من أعمال مديريات مصر المحروسة؛ ولا يأخذكم العجب من هذه (السقطة) فى السلوكيات والتصرفات التى حدثت من «القلة الموتورة» التى أشهرت سيف التمرد والمعارضة ـ فى وجه الدولة والقانون والأعراف المجتمعية والدينية والإنسانية والأخلاقية ـ لحظة محاولة مواراة جسد الشهيدة طى ثرى قريتها التى يضم ثراها عظام أجدادها وبنى عشيرتها!



ودعونى أقف هُنا لحظة.. لأسطر ملاحظة عابرة ـ قبل التواصل فى الحديث عن تلك الظواهر الموسمية فى المجتمع المصرى ؛ فأتذكر ماجاء فى الرواية الرائعة «الحرية والموت» للكاتب والفيلسوف اليونانى «نيكولاى كازنتزاكس»؛ عن كيف يواجه سكان بعض القرى اليونانية غضب وطوفان النهرعلى قُراهم؛ أو عند تعرضهم للهجوم من قبل بعض الأعداء، وهو الأمر الذى يضطرهم للهجرة والنزوح لبناء قرية جديدة لسُكناهم بعيدًا عن مجرى النهر أو أماكن تجمع الأعداء؛ فكانوا يلجأون ـ باديء ذى بدء ـ إلى  حمل عظام القبور وأخذها معهم لإتمام دفنها فى مدخل القرية الجديدة؛ ففى اعتقاداتهم الراسخة أنه لاحياة فوق الأرض إلا بالقرب من وجود «عظام الأجداد» تحت الأرض فى طيات تراب قراهُم وبيوتهم الجديدة، وهكذا كانت  تفعل قرى اليونان القديمة فى جزيرتى قبرص وكريت.. وهكذا كان ـ أيضًا ـ تاريخ الفراعنة بحضارتهم التى سبقت الحضارة اليونانية.

ونعود إلى الحديث عن هذه «الشراذم» الموجودة فى كل زمانٍ ومكان عبر تاريخنا المصرى القديم والحديث؛ أو ليست تلك القلَّة هى التى رفعت «بائع الدخان الألبانى/محمد على» ـ وهو الذى جاء على رأس قوة  للغزو والاحتلال ـ على الأكتاف  ليصعدوا به إلى القلعة مطالبين السلطان العثمانى بتنصيبه حاكمًا على مصر؟ بلى.. وهم أيضًا من عارضوا تولى حكم مصر بمعرفة «أولاد البلد» بداية من الشيخ الشرقاوى وعمر مكرم وغيرهما من الوطنيين الشرفاء.. ولكنها «الفئة الضالة» التى تسير دومًا عكس التيار! 

ولو حاولنا ذكر تلك التصرفات الحمقاء من أولئك «الموتورين» على مدار التاريخ؛ لكان احتياجنا إلى مجلدات ومساحات شاسعة من الأوراق والدفاتر؛ وقد نتذكر استنكار «يوليوس قيصر» لقاتله بالخنجر المسموم بكلمته التى صارت مثلاً : حتى أنت يابروتس؟ أى التعجب من خيانة أقرب المقربين إليه! مابالنا بمن يعيشون بيننا ويأكلون من ثمار أرضنا الطيبة؛ ولكنهم للأسف لايمتون بصلة وطيدة للقيم المصرية الأصيلة؟!

إذن.. فأرباب الخيانات التاريخية المناوئة لسلطة الدولة والقوانين والأعراف؛ عادوا يطلون علينا من جديد بوجههم القبيح الذى يتمثل فى شراذم «خوارج العصر» التابعين للقوى المعادية لمصر وتوجهاتها الحضارية فى السعى لرفاهية الإنسان، فهؤلاء لايحملون فى شرايينهم عظمة الجينات المصرية الأصيلة؛ التى علمت العالم معنى القيم الإنسانية منذ فجر التاريخ.

لم أذهب بعيدًا عما بدأته من حديث، ولكنها التداعيات الفكرية التى أذكرها للتخفيف من حدة الصدمة التى انتابت قلوب الإحساس الجمعى فى مصر والعالم المتحضر، ولكن عندما اتضحت الرؤية فى الإضاءة ـ من قبل الجهات الأمنية المصرية ـ على العناصر التى ارتكبت هذا الجُرم اللاإنسانى بالصوت والصورة؛ كان رد الفعل الطبيعى هو أن تثلج صدورنا بسرعة القبض على هؤلاء المجرمين؛ ولترتد كرة النار إلى صدور مشعلى الفتنة، ورد الاعتبار لمن ذهبت إلى دار البقاء بإطلاق اسمها على «مدرسة» فى قريتها؛ ليُكتب لها الخلود  مع الأجيال الصاعدة.. وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد!

ولكن.. نعود للسؤال الذى يلح علينا : ماذا جرى يامصريين؟

هذا سؤال تعجيزى بالتأكيد!  

لذا.. نترك الإجابة لعلماء الاجتماع  والباحثين فى بنية المجتمعات البشرية؛ وندعوهم لعقد مؤتمرات مجمَّعة مع منظمات المجتمع المدنى  لدراسة تأثير التحولات السياسية والاقتصادية والتركيبة المجتمعية السويَّة؛ وقبل أن تقوم جحافل الأدعياء بتشوية لوحاتها الفنية الجمالية بفرشاة السواد وغمسها فى  بعض ـ ثقافة التراث المؤمنة بثقافة التقوقع ومعاداة التجديد والاجتهاد، وهو الأمرالذى تجاوزته بفراسخ ثقافات كل الشعوب المتطلعة إلى ثقافة الحياة بكل مافيها من إعلاء لقيمة الإنسان وكرامته على ظهر البسيطة. 

إنها فرصة ذهبية ـ برغم كل الوجع والألم ـ لإعادة البحث الأكاديمى لتقنين ورصد مسار تطورات المجتمع المصرى وسلوكياته، ومعرفة مدى تأثير الأفكار العقائدية التى يقوم بتشويها ــ عمدًا ـ شراذم الشر داخل المجتمعات الريفية التى لم تنل القسط  الكافى من التعليم والثقافة، وهم حقل التجارب لتلك القوى الشريرة التى لاتهدف إلا لإثارة القلاقل والفتن.

دعوتى إلى أساتذة الجامعات وعلماء الاجتماع ومنظمات المجتمع المدني؛ بإقامة حلقات البحث والدراسة على مستوى الجمهورية ومواقع تلك الأحداث  الجسام، وليتنا نطرق الحديد وهو ساخن قبل أن يبرد، وقبل أن تدهمنا المزيد من السنوات، لنعود للبدء من جديد.. 

وحينئذٍ.. لن ينفع الندم.. و «ترجع ريمة إلى عادتها القديمة»! أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون