الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كازوراتى».. الفن بين التجديد والعودة للإطار

«كازوراتى».. الفن بين التجديد والعودة للإطار

إن الفن كما يصفه الكثير من النقاد هو حالة من التفرد والتميز ربما يكون أحيانا حالة من التطرف وقد نرى فى الفن الجميل أتباعا لكل القواعد كما نرى فيه أيضا تكسيرا لمعظم القواعد أحيانا وهذا هو الفرق بين النقيضين، أى الإفراط فى التنظير والالتزام بالقواعد والتطرف فى تحطيمها والخروج عليها ، وعلى الرغم ن ذلك لا تعتبر الوسطية خلوا من الفن بل أيضا الكثير من حالات الوسطية تعبر عن فن متزن يراعى سهولة الوصول للمتلقى ومتعته قبل كل شيء.



فنحن نرى اليوم الإيطالى فيليتشى كازوراتى حالة خاصة جدا نقيس عليها هذه الفكرة أى فكرة جود الفن فى معظم حالات التطرف فى كسر القواعد أو التزمت فى الالتزام بها وربما كان هذا التزمت نابعا من إلتزام ما جعل من الفنان أداة لترسيخ مفهوم فنى معين، وهذا ما كان يعنيه الكثير من جيل كازوراتى أو الجيل الذى سبقه فمثلا الرمزيون الذين تأثر بهم كازوراتى وعلى رأسهم النمساوى جوستاف كليميت وجماعته كانوا قد آلو على نفسهم تقديم مادة جديدة للفن تأخذ الترميز وسيلة لتقديم مضامين فنية هامة، ومع ذلك لم يخرج كليميت وجماعته عن الإطار التقليدى للفن إلا مقدما ما يثبت وجهة نظرهم ويعطيهم حرية أكبر فى التعبير عن مشاعرهم دون تصنع، وهذا ما اعتقدوا انه يناسب المتلقى بشكل أو بآخر ومن ثم وجدنا أتساق كبير فى أعمالهم وإطارا فنيا راقيا مع وجود هذه النزعة الحداثية على ما هو قديم فى وقتهم، وهذا ما أراد أن يكونه فيليتشى كازوراتى الذى أعتبر أن مجاراة العديد من الموجات – أو قل التقاليع – الفنية فى هذه الفترة مجرد نوع من العبث المقصود للتعبير عن نزعات هوسية لذا كان كازوراتى من بدايته واضحا حين نحا لما يعرف بـ «العودة للإطار» وهذا اصطلاح فنى شديد الأهمية يتجاهله العديد من النقاد؛ لأن معظمهم يدور حول الأسماء الرنانة أو الأسهل فى التنظير ويبتعدون عن مبدعين لهم ثقلهم مثل كازوراتى، أذن كان كازوراتى ضمن فكرة العودة للإطار، والتى كانت قلبا وقالبا ضد الطليعية التى تفجرت بعد الحربة العالمية الأولى ولعلنا نؤيد الرأى القائل بأن صدمة الحرب العالمية الأولى وهذا الكم من الدماء الوحشية الذى صاحبها كان خليقا بأن يؤجج هذه الحركات الفنية التى أخذت من اللامبالاة وتحطيم الإطار مذهبا ومنهجا، أذا هذا هو فليتشى كازوراتى كان شديد الوضوح من البداية ومن ثم أعلن عن اعتناقه للتطوير المتزن للفن داخل إطار يحفظ للفن ماهيته وقدسيته، وهكذا نستطيع ان نصف أعمال كازوراتى بأنها أحيانا أكاديمية والحقيقة أنه لا عيب فى ذلك مطلقا فربما كان هذه هى أحدى مواطن قوة كازوراتى وعلى الرغم من أن كازوراتى لم يقوم بدراسة منظمه للفن بل كانت دراسته للفن مقتضبة بعد دراسته للقانون، فإذا نظرنا لأهم أعمال كازوراتى، وهى بورتريه سيلفانا كانى الشهير ولعلنى أحب أن أقول انه أشهر أعماله لكن ليس أقواها على الإطلاق كما يصفها بعض النقاد ، إذا نظرنا لهذا العمل وجدناه يدور فى عدة أطر تلخص لنا مذهب كازوراتى وذوقه فى الفن فنجد أولا فكرة الهندسية ظاهرة ومدمجة فى معظم أجزاء العمل، فالجسد الذى يمثل مركز اللوحة يبدو لنا قد تم تنفيذه بشكل هندسى نوعا ما، مقاييسه بين مقاييس الرمزية والواقعية مع وجود تضليع ظاهر فى طرح فكرة الجسد فى العمل وهذا هو إحدى سمات الفكرة الهندسية فى الفن التشكيلى أيضا مركزية الجسد فى اللوحة تذكرنا بمركزية جسد الشخصيات المقدسة فى لوحات الرينيسانس، والتى درسها كازوراتى باستفاضة وتأثر بفنانيها وخصوصا بيرو ديلا فرانشيسكا، والذى نجد حضوره أحيانا طاغيا فى أعمال كازوراتى .

تحيلنا بعض الرؤى فى بورتريه سيلفيا كانى الشهير إلى تقنيات كازوراتى الأساسية وعلى رأسها الهندسية ثم يليها تقنية الخامة نفسها، وهى عند كازوراتى غريبة نوعا ما وخصوصا على فنان يعايش أوائل القرن العشرين وهى تقنية الرسم بالتمبرا أى الرسم بالألوان العضوية اللامعة والتى يستخدم فيها صفار البيض أحيانا ليعطى لمعة وبريق للون، ، ولكن الجديد فى تنفيذ أعمالة بالتمبرا هى انه أبتدع ما يعرف بالتمبرا المطفأة فيه أقل لمعانا والألوان فيها مطفأة وباردة، ويحسب هذا لكازوراتى لأنه ساير بها الوقاعة اللونية لعصره.

كان فيليتشى كازوراتى مغرما بوضعه البورتريه التقليدى للمرأة التى شكلت موضوعا رئيسيا لمعظم أعمالة فوضعتها هى ببساطة وضعة الموديل الذى يأخذ وضعة المستعد للتصوير وأيضا حركة اليدين داخل البورتريه نجدها دافنشية جدا فى معظم أعمالة – أى اليد موضوعه على اليد الأخرى أو معصم اليد الأخرى – وهناك مقولة طريفة كانوا يتناقلوها أساتذة الفن فى تورينو عن كازوراتى وهى أنك تستطيع أن تلملم أشلاء الجوكاندا من بورتريهات كازوراتى .