الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع

هكذا كان

الأعمال للفنان بسام الزغبى



يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]

 

هكذا كان

 

قصة قصيرة

إيمان يحيى

استيقظت فى صباح اليوم الذى تلا عيد ميلادى وكان ما تبقى من العام يكاد يحصى على فقرات الأصابع، كان قد مر يوم ميلادى بسعادة بالغة سكنت قلبى، رغبت بشدة فى أن أسعد به تطبيقا لحكمة جميلة سمعتها مرارا على لسان جدتى: «كل شىء دايم يابنتى»، فتمنيت أن يأتى يوم ميلادى القادم بنفس السعادة التى استقبلته بها هذا العام، وليس بالضرورة أن تتعدد الهدايا أو تتزاحم التهانى والأمنيات لكى يمكن اعتبار الميلاد عيدا،ولكن يكفى تهنئة بعض المحبين،فبالطبع لن يكون المرء بذات الأهمية لدى الجميع فهذه مبالغة لا أعتقد بوجودها حتى فى الخيال،ثم يكفى قرار بالسعادة تأخذه فى هذا اليوم ليكتمل بداخلك عيدك .

كانت الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم ال20من شهر نوفمبر عام 2019،بعد وجبة إفطار سريعة،أنهيت أعمالى فى مساعدة والدتى فى أعمال المنزل من تنظيف وطبخ، بعد الظهر تناولنا الغذاء،جلسنا لشرب الشاى أمام برامجنا المفضلة،ثم صعدت إلى غرفتى طمعا فى قسط من النوم،ولكن هيهات فهذا وقت تجمع أطفال الشارع جميعا أسفل البيت،حاولت النوم جاهدة ولكن مُحال فأصواتهم تأبى خفض نغمة الصراخ، حتى إنك لتعجب حين تراهم إذا مررت غريبا أو حتى قاطنا من فهم هل هم يلعبون أم أنهم يتصارعون؟ ارتضيت فى النهاية بغلق عينى وتمديد جسدى، أذن العصر وبعد الحصول على حمام منعش  وأداء الصلاة قررنا الذهاب إلى بيت الجد، وهى الخروجة المميزة والوحيدة التى نحظى بها والتى تكسر نظام يوما ما فى أسبوعنا.

بعد السلام وتبادل الأحاديث حول الكثير من الأشياء استمعنا إلى برنامجنا الدينى المفضل،نسيت أن أخبركم أننا مرتبطين بجهاز التليفزيون ارتباطا قد يبدو للبعض جنونيا أو غير طبيعي،أذن المغرب أدينا الصلاة وعدنا مرة أخرى للتليفزيون، انتهى المسلسل التليفزيونى الذى تشاهده جدتي،أذن العشاء وقامت جدتى على الفور لتأدية الصلاة وهى أسرع من رأيته ينهض لأداء صلاة العشاء ودائما تقول «نريح العشا»، لديها العديد من الكلمات التى تعجبنى وهذه إحداها، وهى أيضا صاحبة القول «كل شىء دايم»، يالها من فطرة لدى هؤلاء الكبار، قمنا لتحضير العشاء، نسعد كثيرا بتناول العشاء فى بيت جدنا فللطعام هناك وفى هذه الصحبة مذاق آخر،انتهينا، وكالعادة أول من ينهض هو من يُعد الشاي، ألم أخبركم فالشاى جزء مقدس بالنسبة لنا، فإذا كان الأوربيون يفردون له غرفة خاصة فى منازلهم فنحن نعشق شربه فى كل مكان وخصوصا أمام التليفزيون ،جلسنا مرة أخرى أمام التليفزيون متبادلين الأحاديث حول برامج إخبارية،وأعمال درامية وفقرات إعلانية ربما ثلاث ساعات هى محصلة هذه الجلسة النقدية، وجب بعدها العودة إلى البيت،عدنا، ذهبت إلى غرفتي،ألقيت نظرة على جهازي،قرأت عدة صفحات من كتاب لم أنهه بعد، ثم أغلقته واستسلمت تماما للنوم ..استيقظت صباح اليوم التالى، نظرت فى الساعة،التاسعة صباحا تاريخ اليوم 15مارس 2020 نهضت منتفضة،هل نمت كل هذا الوقت؟ أم أنها غيبوبة أصابتنى؟ أم أنه تشابه الأيام؟.

أنهيت إفطارى استعدادا لبداية يوم جديد لا يختلف كثيرا عن سابقيه، ولكن مهلا، صوت أختى ينادينى برعب: فيروس كورونا وصل عندنا،.. ماذا؟ كورونا؟ سرعان ما تذكرت ذلك الذى انطلق من مدينة صينية تدعى ووهان، بسمة ساخرة فكم كنا نعتقد أنها تبعد عنا.. نفس المهام بنفس الترتيب ولكن بإضافات جديدة، ولمسات كورونا الذى تحول إلى جائحة تفشت فى العالم بأكمله باستثناء بعض الجذر،أصبحت كل جلساتنا أمام التلفاز نشرات إخبارية نتعقب فيها رحلة هذا الوباء، نترقب فى محاولة يائسة للفهم، شبح الموت يلاحق الجميع،طُبق الحظر على الجميع، سكنت الشوارع وخيم الصمت على كل شىء، حتى أنك لتشعر وكأنك تسمع وتحس بحركة دوران الكرة الأرضية فى فضائها.

لزمنا منازلنا،حُرمنا من الخروجة الوحيدة التى كنا نحظى بها إلى بيت جدنا،حُرمنا من رؤية أبناء إخوتنا المواليد، وكلما زاد شوقنا تذكرنا مخاوفنا..

كل يوم وتيرة الأعداد فى زيادة .. ولا شىء آخر، ثم أخيرا جاء قرارنا بالخروج، لم نستطع التحمل أكثر، وجدنا شوارعنا مليئة بالناس، ذُهلنا!،لم يكن أى شىء يشبه ما نراه على الشاشات طيلة الأيام الماضية، لم يكن أى شىء يشبه ما عشناه داخل البيت، نظرت إلى أختى حائرة بين الحزن والابتسام، فى النهاية غلبنى الابتسام: «هكذا هى قريتنا لا تبالى بشىء، ولا يبالى لها شىء،.. أصبحت تتقن اللامبالاة».