الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دماء  الشهداء.. والحُزن النبيل!

دماء الشهداء.. والحُزن النبيل!

بادئ ذى بدء..  أنا لست من دُعاة التجهُّم والحُزن وارتداء قناع الكآبة، للإعلان عما يعتمل فى أعماقى من مشاعر تجاه حادث (ما) جلل، يقع على ساحة الشارع المصرى الممتد على جسد خريطة الوطن بطولها وعرضها! وربما يتساءل أحدهم: هل الحزن هو مجرد شعور أو موقف فلسفى؟ وهُنا.. قد تتفرق بنا السبُل فى تحديد شكل ونمط وأبعاد هذا الحُزن، ولكننا ـ بلا اتفاق ـ نتفق على أن الحزن على دماء شهداء الوطن لا مزايدة فيه.. ولا عليه! ولا يحتاج التفسير للارتكان إلى صباغة هذا الحُزن بألوان الفلسفة متعددة الجوانب؛ فهو «الحزن النبيل» الصادق الذى لا يأتى إليه الشك من الأمام أو من الخلف ! 



وعلى هذا الاتفاق الضمنى والتفسير العقلى : كلنا حزانى على شهداء الوطن الذين يدفعون شبابهم وحياتهم ثمنًا، مقابل حماية الوطن والبشرعلى أرضه! ولكننى أعتب ـ ولا أملك سوى العتاب ـ على «وسائل الإعلام المرئية» الرسمية التى اكتفت للإعلان عن حزن أمة بأسرها؛ باختزاله فى «شريطٍ أسود» على هامش الشاشة! فالحزن فى القلوب والمشاعر الفياضة والجوانح المكلومة على «شباب زى الورد» ذهبوا ضحية عصابات الغدرالمتربصة بنا ليل نهار فى الداخل والخارج .  وما عدا هذا الشريط الباهت، فكل شىء يسير على المنوال نفسه من التردى والإسفاف والابتذال فى العديد مما يتم تقديمه باستعراض أفخم الأثاث والرياش داخل كومباوندات «الطبقة العلِّيوى» المزوَّد بحمامات السباحة ذات الإضاءة الملونة المتلألئة، وبما أن الشىء لزوم الشىء ـ على رأى نجيب الريحانى، كان لابد أن تظهرآخر صيحات الموضة فى ملابس ضيوف البرامج العشوائية الساذجة غير المُجدية ــ وهى تقريبًا الوجوه نفسها التى تحتل المشهد كل عام ـ مع استعراض آخر ما وصلت إليه فنون الماكياج فى رسم وتخطيط العيون والحواجب، لا تخطيط المدن والإضاءة على مجهودات إعادة بناء العشوائيات التى كانت بمثابة وصمة فى جبين الوطن. 

ولست ضد استعراض كل تلك المظاهر فى صُلب الأعمال الدرامية ـ خاصة تلك التى تخدم وتعالج مشاكل وقضايا المجتمع بجدِّية ـ ولم أقل أن تُطل علينا هذه الوجوه «معفَّرة مجفَّرة» وبملابس البيت، ولكنى أقول: رفقًا بفقراء الوطن والطبقة المتوسطة ـ بافتراض انها موجودة ولم تندثـر ـ الذين يتطلعون كبشر إلى الحياة فى مثل هذا البذخ والتنعُّم بمباهج لم يرَوْها إلا على هذه الشاشات التى  ياعينى   تضع شريطًا أسود على جبينها الذى لم يعرف عرق الخجل ! وهُم بهذا يزيدون من اتساع فجوة الحقد والحسد فى النفوس؛ ويفتحون الأبواب على مصاريعها للسير خلف بعض الدعاة «الأباليس» الذين يقدمون لهؤلاء «الفقارى» كل الفتاوى التى تبيح لهم إثارة القلاقل والتمرد والثورة على أصحاب تلك الكومباوندات بحجَّة الشرع والدين والعقيدة؛ وتأويل مانُسب إلى العارف بالله «أبو ذرالغفاري» عن إنه «إذا بات فقيرٌ بغير عشاء» .. فإن عليه أن يستل سيفه ليحضرعشاءه!

 وتناست تلك الشاشات أننا نخوض حربًا هى حرب الوجود أو الفناء، ولولا وجود ـ بالصدفة ـ ماندر من بعض المشاهد فى مسلسل عن الحرب فى الدراما الرمضانية، ماكان هناك أدنى أثرعلى الإحساس الجمعى بأننا فى حالة حرب كما يذكِّرنا بهذا دائمًا الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى كل لقاءاته الجماهيرية بالشعب المصرى!

لقد كان من الأجدراختصار جرعة الدراما التى نشاهدها هذه الأيام؛ والتى تناقش قضايا بعيدة كل البعد عن المجتمع المصرى الأصلى والأصيل، باستثناء القلة القليلة التى تتصارع على الميراث من أرصدة بالبنوك والعقارات التى تحمل أثمانها العديد من الأصفارعلى يمين العدد الأصلي، ناهيك عن تصوير تدبير مشاهد تآمرالإخوة للتخلص بالقتل من الأخ الكبيرـ  وهو مالم يفعله أخوة «يوسف» حين تركوه حيًا فى البئرـ الذى وهبه «الأب» ثروته فى وصيته قبل أن يودع الحياة! ولم أقل أن هذه الصراعات الأُسريَّة المزمنة ليست موجودة، ولكنها  ـ أبدًا ـ لا تمثل ظاهرة فى أعراف المجتمع المصرى المؤمن بشريعة الله وكل العقائد السماوية السمحة!

لقد أعجبتنى كلمة تم تداولها ـ بالسخريـة ـ على مواقع التواصل الاجتماعى تقول: إن الملايين التى تُصرف على تصوير مدى تردِّى الواقع فى المجتمعات البشرية؛ فإنها كفيلة بأن تقوم بتغيير هذا الواقع إلى الأفضل! ولكنها تجارة «والتجارة شطارة» كما يقول أصحاب رأس المال .. والنفوذ!

تاريخنا حافل بالمئات من قصص البطولة والفداء من أجل الوطن وترابه المقدس؛ حتى تعلم وتتعلم الأجيال الحالية والقادمة المعنى الحقيقى للوطنية والانتماء، وليس بتجسيد الصراعات الدامية من القلَّة المنفلتة أخلاقيًا على المال والشهرة والنفوذ؛ لتكون هذه القلة هى القدوة والمثل السيئ لشبابنا، والقيام بتبرير اعتناق تلك المبادىء على انها ـ من وجهة نظرهم المنفلتة بحكم التأثر بتلك المشاهد والمشاهدات ـ حتمية الظروف الاقتصادية والسياسية الطارئة على مجتمعنا المصرى.

إننا فى غمرة الحزن النبيل على دماء أولادنا.. نننتظر أن تدور الكاميرات لتصوير بطولات هؤلاء المقاتلين، فلولاهم ما كنَّا.. ولا عاشت مصر!