الخميس 1 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
هل انتهى وقت الفراغ؟

هل انتهى وقت الفراغ؟

مفهوم وقت الفراغ يختلف من عصر لآخر ومن ثقافة لأخرى فربما فى العصر الزراعى لم يكن للمزارع الكثير من الوقت الذى يمكن أن يطلق عليه «وقت فراغ» فهو يعمل فى الحقول منذ شروق الشمس حتى غروبها وربما يعود إلى المنزل فيقوم ببعض الأعمال المرتبطة بالمحصول أو البذور أو السماد أو لرعاية الحيوانات التى تساعده على إنجاز مهامه... ربما بعد الانتهاء من كل هذا يتبقى له دقائق معدودة قد يقضيها فى السمر مع عائلته أو أصدقائه يتبادلون الحكايات والنكات وقد يتخللها بعض الأغانى أو المواويل ممن يجد فى نفسه حلاوة الصوت وإقبال أقرانه عليه.



العصر الصناعى مختلف نوعا ما ففيه تنظيم لأوقات العمل-الوردية- والتى تتراوح بين 8 و12 ساعة يوميا يتخللها ساعة للراحة وتناول الغذاء.. بعد الانتهاء من العمل ومغادرة المصنع فإن العامل لا يجد ما يفعل ويطلق على تلك الفترة الزمنية حتى الخلود الى إلنوم بأنها «وقت الفراغ»... البعض استغل هذا الوقت فى الالتحاق بعمل آخر والبعض استغل هذا الوقت فى تنمية المهارات أو تعلم شيء جديد أو الارتقاء تعليميا بالحصول على شهادة متخصصة.. البعض الآخر استغل هذا الوقت فى الرياضة والبعض الآخر استغله فى التسلية والهزل.

أما فى عصر المعلومات فإن الأمر لم يختلف كثيرا عن نمط العصر الصناعى إلا باختلاف آليات التسلية أو أماكن ممارسة الرياضة فى إطار من مبدأ «اتصل ولا تنتقل» حيث ندر الذهاب إلى المسارح أو دور السينما وتم الاستعاضة عن هذا بمشاهدة الأعمال الفنية والحفلات الغنائية من خلال المنصات الالكترونية المخصصة لذلك.

ولكن وبالرغم من دعوات الإسراع بالتحول الرقمى فى جميع مناحى الحياة إلا أن التطور فى هذا المجال كان يسير بخطوات ليست بالسرعة المطلوبة وأيضا تتفاوت من دولة لأخرى.. استمر الوضع كذلك حتى أتت جائحة كورونا وسيطرت على العالم بأسره.... دول الشمال ودول الجنوب...العالم الأول والعالم الثالث...الدولة المتطورة تكنولوجيا والتى قطعت شوطا كبيرا فى طريق التحول الرقمى وتلك التى خطت خطوات أولية فى نفس الطريق فرأينا العمل عن بعد والتعليم عن بعد والتسلية والثقافة الرقمية أيضا الأمر الذى أحالنا إلى معطيات مختلفة...لا حدود بين أوقات العمل وأوقات الفراغ طالما كان الفرد مستيقظا فهو متاحا لأى شيء....لاجتماع عمل أو لعمل تقرير أو دراسة مرتبطة بالعمل وفى نفس الوقت متاح له التواصل مع الأصدقاء والاستماع إلى الأغانى أو مشاهدة الأعمال الفنية أو الحصول على دورة تدريبية أو قراءة كتاب الكرتونى أو الالتقاء ببعض الاصدقاء الكترونيا من أجل تبادل النكات أو الاستمتاع ببعض الألعاب الالكترونية.... بعض الأصدقاء يلتقون من خلال برنامج زووم Zoom  وأمام كل منهم طبق به بعض التسالى وأكواب للعصير وأمامه شاشة تلفاز يشاهدون فيها مباراة كرة قدم... فمادام هناك حظر ولا توجد إمكانية لأن يلتقوا معا فإن اللقاء يكون الكترونيا وتستمر باقى الأنشطة.... التمارين الرياضية تتم حاليا من خلال نفس البرنامج لبعض الألعاب مثل الكاراتيه أو التايكوندو... لا مانع بالطبع من محاولة استكمال الحياة بصورة طبيعية ولكن ستكون المشكلة حتما فى اختفاء ما يسمى بوقت الفراغ أو وقت التأمل أو وقت الجد ووقت الهزل.. الخلط الذى نعيش فيه هذه الأيام فى غاية الخطورة على سلامة عمل العقل والتركيز كالاستيعاب واتخاذ القرارات كما أنه فى غاية الخطورة على الصحة النفسية والعقلية.

ومن أجل تلك الظروف الحالية أرى ضرورة تكاتف خبراء الإدارة وعلوم النفس والاجتماع وغيرهم من أجل الخروج بصيغة توافقية تحقق أكبر استفادة لإنسان العصر بأقل أضرار ممكنة وتجنبا لانفجار نستشعر قدومه بقوة.