
صبحى شبانة
عام الرمادة وبشرى نهاية كورونا
هل يكرر التاريخ نفسه؟ سؤال يتردد كثيرا فى أزمنة عديدة، كلما حلت بالبشرية نازلة من النوازل، بتلقائية يستدعى الإنسان ذاكرته للتعلم من خبرات ومعالجات من سبقوه فى تلك الأزمان البعيدة، وبذل الجهد فى القياس والمقارنة بين ما حدث فى الماضى ببساطته وبدايته، وما يحل بنا فى الحاضر بتعقيداته وتطوراته.
أنا ممن يميلون إلى الاعتقاد الراسخ بأن التاريخ يكرر نفسه، ولكن فى حقب متباعدة، وأزمنة سحيقة، بأشكال مختلفة وأنماط مغايرة، وتحفل الذاكرة الإنسانية بأمثلة وشواهد ونماذج وقصص عديدة وردت إلينا عبر الزمن فى الكتب السماوية، وكتب التاريخ، والمرويات، والأساطير، أشهرها بالنسبة لنا هو عام الرمادة فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كان ذلك فى نهايات عام 17هـ، حيث وقعت مجاعة شديدة، وانتشرت الأوبئة والأمراض، بعد أن حبس المطر، وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت الحال فى المدينة المنورة وما حولها على هذا النحو لمدة تسعة أشهر انتهت فى منتصف عام 18هـ، الموافق 639م، وهو ما يدعونا إلى التفاول والرجاء باقتراب نهاية تفشى هذا الوباء الذى تم رصده وتشخيص الإصابات به فى أكتوبر من العام الماضى فى مقاطعة ووهان الصينية أي أن مدة انتشاره ستتم التسعة أشهر بنهاية شهر يونيو الجارى أو بعده بقليل، ومن رحمة الله بخلقه أن عمر الأوبئة الفيروسية يقاس بالشهور لا بالسنوات، ولم يسجل التاريخ أن وباء تفشى لأكثر من تسعة اشهر.
تظل مستويات الوعى لدى الشعوب هى الهاجس الأكبر لدى صانع القرار فى كل الازمنة والعصور، باعتبارها أحد المحددات الرئيسية التى يتم من خلالها قياس مدى الالتزام بتنفيذ الخطط والإجراءات التى تسنها الدول فى الازمات والخطوب والملمات، ويبدو أن الخليفة عمر بن الخطاب قد فطن إلى ذلك قبل أربعة عشر قرنا وهو ما بدا فى خطبته الشهيرة فى زمن الرمادة، حينما قال: أيها الناس اتقوا الله فى انفسكم، وفيما غاب عن الناس من امركم، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي، فما أدرى السخط عليَّ دونكم، أو عليكم دوني، أوقد عمتنى وعمتكم، فهلموا فندعو الله يصلح قلوبنا، وان يرحمنا، وان يرفع عنا المحن، أيها الناس استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.
الخليفة عمر بن الخطاب اتخذ ما نسميه اليوم من إجراءات وتدابير احترازية فى ظل «إدارة أزمة» هى مضرب المثل يقتدى ويحتذى بها حتى يومنا هذا، أراد رضى الله عنه فى إدارته للازمة» كما تفعل الدولة الآن» أن يبث فى شعبه جرعات من الوعى بضرورة الالتزام الذى يستلزم كما فى كل العصور ترشيد الإنفاق، والتعاضد، والتكاتف، والتكافل، والانضباط، والتحلق حول الإجراءات والتدابير التى تضعها الدولة للخروج من مثل هذه المأزق التاريخية التى ربما لا تتكرر إلا كل عدة أجيال، وفى حال شعور الإنسان بطغيان القوة التى تدفعه إلى التمرد، وتحفزه على التجبر فى صوره البغيضة، إنما الاوبئة والخطوب ماهى إلا فرملة ليردع الإنسان ذاته، عله يستعيد تواضعه المفقود بفعل حسبانه الخاطي إنه باتت لديه القدرة على مجابهة وتحدى الطبيعة التى عودتنا على التدخل بقدرة الله» سبحانه وتعالى» لتعيد للبشرية توازنها، وللعقل الإنسانى المفقود اتزانه.
كورونا سوف تكون حدا فاصلا يعيد تشكيل خطوط الطول والعرض فى خارطة الجينات البشرية، التى سوف تؤدى بالضرورة إلى تغييرات فى الانماط السلوكية، تعيد ترتيبات اولويات الانسان، وتغير من علاقاته الاجتماعية بشكلها المعتاد فى السابق، وتحد من جموحه الغريزى المتخم بعادات طرأت على فطرة البعض فأفسدتها وبدلتها، إنسان ما بعد كورونا اكثر تطورا وانضباطا ووعيا.