الخميس 1 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رائحة الموت وأنوف لا تشم

رائحة الموت وأنوف لا تشم

على غرار عنوان رواية الأديب الكبير إحسان عبد القدوس «رائحة الورد وأنوف لا تشم» فإن الجو العام حاليًا يبعث على الاكتئاب بصورة ربما غير مسبوقة على الإطلاق على مدار أعمارنا القصيرة...مر جيلنا والأجيال السابقة بالعديد من المصاعب والأخطار....حروب وأزمات وثورات أيضًا....أما بالنسبة للأوبئة فإن الإنفلونزا الإسبانية  مر عليها ما يقرب من المئة عام واستمرت ثلاث سنوات  (البداية يناير 1918 والنهاية ديسمبر 1920)...أما وباء الكوليرا والذى شهد سبع مراحل على مدار 150 عامًا فإنه كان محدودًا فى التأثير والانتشار بالمقارنة بما نعانيه الآن جراء وباء كورونا المستجد. ومع أن أعداد الإصابات والوفيات لا تزال أقل كثيرًا من تلك التى حصدت ملايين الأرواح فى الأوبئة السابقة مع اختلاف الظروف فى العديد من المجالات منها مجال الخدمات الطبية وارتفاع مستواها مقارنة بمئة عام مضت  إلا أن انتشار وسائل الاتصال وسهولة الانتقال بين أطراف الكرة الأرضية من خلال الوسائل المختلفة أدى إلى سرعة انتشار الفيروس جغرافيًا....بالمناسبة للدكتور جلال أمين له كتاب رائع بعنوان« عصر الجماهير الغفيرة» يقارن فيه بين ما كان متاحًا فى بدايات القرن الماضى وحتى منتصفه من خدمات ووسائل ترفيه وانتقال وخلافه....تلك التى كانت متاحة لعدد محدود جدا من السكان وبين ما هومتاح فى  عصرنا الحالى, حيث أصبحت تلك الخدمات متاحة لأعداد «غفيرة» من البشر مما أدى الى تغيير أنماط الكثير من الأحداث والوقائع ومنها بالطبع انتشار الأمراض والأوبئة.



عصر المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعى أضاف بعدًا خطيرًا إلى «عصر الجماهير الغفيرة» نلمسه جميعًا منها التواصل الفعال البناء والهدام وانتشار الأخبار السليمة والمغلوطة والمعلومات والمفاهيم الصائبة والمدمرة....من تلك الأمور المنتشرة حاليًا هى رائحة الموت الموجودة بكثرة هذه الأيام على تلك الشبكات وانتقالها الى أحاديث الناس فى المنازل والأعمال والطرقات ...حديث عن الفيروس والمرض والعناية المركزة والتنفس الصناعى والوفاة....حتى من يتوفى لأى سبب آخر فإن الأذهان تتجه إلى الوباء وتتهمه ....الكثير من التحليلات والتوقعات والاستنتاجات حول الفيروس وانتشاره وكيفية القضاء عليه وأبحاث الأمصال والعلاجات والتى تتأرجح بين التبنى الكامل لنظرية المؤامرة اوالتبنى التام لفكرة العشوائية المطلقة وما بين هذين الاتجاهين من درجات مختلفة.

ومع الأخذ بالأسباب إلا أن البعض لا يرى المسبب.... مثلما تم فى الماضى التفاعل مع الجراد والقمل والضفادع والدم.... ومثلما تفاعل ولد سيدنا نوح عليه السلام مع خبر الطوفان بأنه سيأوى إلى جبل يعصمه من الماء ورد أبوه عليه بأنه لا عاصم من أمر الله إلا من رحم.

من أعراض هذا المرض فقدان حاسة الشم وهذه ليست بمشكلة على الإطلاق فالمهم ألا نفقد الإحساس... الإحساس بالبشر من حولنا...الإحساس بتصرفاتنا وتعديل سلوكياتنا... تجديد وتصحيح النية والعمل...لا يجب أن ننظر إلى مقولة, أن العالم بعد كورونا لن يكون كالعالم قبل كورونا على أنها مقولة مرتبطة بالاقتصاد وأداء الأعمال والعلاقات بين الدول فحسب.... لماذا لا نكون جميعًا أكثر إنسانية بعد كورونا.... لماذا لا نقوى حاسة الشم لنستنشق عبير الأزهار ونتغير جميعا الى الأفضل... كورونا محنة ومنحة وفرصة فهل نغتنمها؟.