الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات ١١

لغة الجينات ١١

المناصب زائلة.. لو دامت لأحد ماوصلت إليك.. فى الظاهر المنصب قوة.. سلطة.. نفوذ.. وممكن يبقى جبروت... لكن فى الباطن.. خوف.. وتوتر.. وقلق وممكن المنصب يحولك عبدا للكرسى.



فيه ناس بتضيف للمنصب فى الظاهر لهم كاريزما وهيبة ..وفِى الباطن جيناتهم  الأصلية بتبقى عاملة زى قرون الاستشعار بتطلق صفارات إنذار مزعجة وعالية جدا.. كل ما صاحب  الجينات الأصلية بدأ فى التحول إلى عبد للمنصب.. 

وفيه ناس جيناتهم الخبيثة مَش محتاجة المنصب علشان يتحولوا لعبيد ..فى الظاهر عاديين وبيقدموا أنفسهم على أنهم ظرفاء وطيبين وممكن يسخروا من نفسهم طول الوقت علشان يبانوا سذج.. وفى الباطن هم بطبعهم ورثة العبيد من نفس السلالة ممكن يعملوا أى حاجة علشان المنصب... الناس دى تحديدا.. فى الظاهر المنصب بيحولهم لحيوانات مفترسة مع الأقل منهم وفِى الباطن قرود  بتتنطط وبتعمل عجين الفلاحة مع أسيادهم .

المناصب فى الظاهر ممكن تجلب لك السعادة وفِى الباطن بتحول حياتك لجحيم لن ينقذك منه سوى جيناتك الأصلية .

السعادة والحزن اللى بيجلبهم  المنصب شىء نسبى جدا.. مثل الفرح والكآبة نفسهم كلها أمور نسبية.. ممكن تشوف شخص فى منتهى السعادة فى الظاهر حياته كلها ضحك وكوميديا وفِى الباطن 

كوميديا سوداء مليئة بالهم والحزن .

النوع ده من الناس جيناتهم الأصلية هى اللى بتساعدهم يكملوا حياتهم بيقدموا لنا السعادة والفرحة وهم فى منتهى الحزن . 

الفنان عبدالمنعم إبراهيم من هذا النوع من البشر.. فى الظاهر كوميديان عظيم يملأ الدنيا فرحة وضحكا.. وفِى الباطن الحزن والكآبة تخيم على حياته طوال عمره... ولولا جيناته الأصلية التى وقفت حائط صد فى وجه كل  الأزمات  كانت حياته انتهت بمأساة تراجيدية شديدة .

فى الظاهر شهرته الكبيرة جاءت من قدرته على إضحاك الجمهور فى عدد كبير من الأفلام والمسرحيات ..وفِى الباطن يعانى من المآسى، بداية من عام 1944 بعد تقدمه لاختبارات المعهد العالى للفنون المسرحية فى دفعته الثانية.

المتقدمون للمعهد 1500 طالب، والمطلوب 20 فقط، واجتاز كل الاختبارات حتى وصل إلى الاختبار النهائى، وقبل الامتحان الأخير توفيت والدته، ورغم ذلك ذهب واجتاز الامتحان بتفوق.

مع بدايته الفنية .. فى الظاهر  عنده فرصة عظيمة بالعمل فى مسرحية «عيلة الدوغرى»  وكل ليلة الجمهور متجاوب جدا معاه. 

وفِى الباطن بيتقطع من داخله فقد توفى والده، وفى نفس اليوم الذى دفنه فيه تحامل على أحزانه ووقف على المسرح وأدى دوره.

 المأساة والتراجيديا ظلت ملازمة عبدالمنعم إبراهيم.. فى الظاهر يصور أحد أفلامه فى أثينا، فسحة وعمل وسعادة ..وفِى الباطن يتلقى اتصالا  بأن زوجته تموت وتريد أن تراه، فى الظاهر ممكن يرجع بسرعة فكل شىء متاح الطيران والفلوس والوقت وسلطة النجومية والشهرة تسهل له كل شىء وتفتح الأبواب المغلقة .. وفِى الباطن تتعطل الطائرة  17 ساعة، ليقضى أصعب وأطول ساعات حياته منتظرا المجهول.. مسلوب الإرادة والقدرة على الحركة.. ولولا جيناته الأصلية لفقد صبره وعقله وإيمانه أيضا.

يحضر إلى القاهرة ويخبره الدكتور بأن زوجته لن تعيش أكثر من ستة أشهر...وتوفيت زوجته تاركة له 4 أطفال ٣ بنات وولد.. أصغرهم لم يتجاوز عامه الثانى.

بعدها بعامين توفى شقيقه عن 35 عاما تاركا له 6 أبناء ووالدتهم، ليجد نفسه يعول أسرة مكونة من 11 فردا.

فى الظاهر عبدالمنعم إبراهيم ظل قطعة سكر تمنحنا حلاوتها ..وفِى الباطن تذوب وتتلاشى لتنتهى فى صمت ..فى الظاهر يمتلك قدرات فنية كبيرة لتجسيد التراجيديا والتنوع فى الأدوار وفى الباطن يصر الجميع على سجنه فى الكوميديا المحروم هو نفسه منها طوال حياته.

فى الظاهر ظل عبدالمنعم إبراهيم مخلصا للمسرح القومى وفِى الباطن المنصب والوظيفة بالمسرح لم تضف له بل خصمت من وقته وجهده وقضت عليه.

لم تنفع عبدالمنعم إبراهيم سلطة الشهرة والمحبة والنفوذ عندما احتاجها للعودة إلى القاهرة لرؤية زوجته المريضة... فالحقيقة دائما أن السلطة والنفوذ وقت الاحتياج  لن ينفعاك بشىء.

السلطة فى الظاهر  لها شهوة تدفع بالإنسان إلى الإقبال عليها والتمسك بها وحماية نفسه بها ومحيطه أيضًا. وفِى الباطن يصبح الإنسان بعد فترة من انغماسه فى شهوة السلطة غير قادر على التخلص منها ويعتبر أن بقاءه فيها مسألة وجودية، والخروج منها، تسبب له ألمًا قد يطول لسنوات ..فكيف له أن ينسى مكانته عند الآخرين، طبعًا مكانته الصورية. شهوة السلطة والكرسى لا تختلف باختلاف المناصب من أعلى الهرم إلى قاعدته تجعل صاحب الجينات الخبيثة ووريث أخلاق العبيد  فى الظاهر يتلذذ بتلك «الهيبة» التى يعطيها له الكرسى الفاخر، وفِى الباطن شهوة الكرسى تُعمى الأبصار والبصيرة وتُذهِب العقل والضمير.. ويصبح شكل الكرسى وديكور المكتب هو همّه الوحيد...فاحذر فالمناصب زائلة ولا ينجو من شهوتها إلا أصحاب الجينات الأصلية.