الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ليون بيلى.. رائد مدرسة المشاهد الطبيعية فى الاستشراق

لوحته الشهيرة قافلة الحجيج إلى مكة أهم لوحات الاستشراق

ليون بيلى.. رائد مدرسة المشاهد الطبيعية فى الاستشراق

فى معرض حديثنا السابق عن الاستشراق قلنا إن هناك نوعيات وتقسيمات عديدة من المدارس الاسشتراقية فى الفن التشكيلى، كان من بينها مدرسة الـlandscape، وهى مدرسة تعنى برسم المشاهد الخارجية والطبيعة، لكن علينا أن نذكر أن وجود العامل البشرى داخل اللوحة كان أيضا مهمًا للغاية بالنسبة لهذه المدرسة، بحيث يكون العامل البشرى هو الذى يدمغها بصفة الاستشراق     بالطبع لأن المناظر الخارجية، أحيانا كثيرة تتشابه بحيث يكون منظر البحر أو الحقل أحيانًا فى الشرق مثله فى الغرب وبالتالى فإن المستشرقين الذين انتموا لهذه المدرسة كانوا يقومون برسم مشهد متكامل من ناحية الشخوص والتنسيق والدراما والحركة، لكن يظل فى عملهم المشهد الخارجى هو الأكثر تركيزًا. وتميزت هذه المدرسة أيضا بتقنيات لونية رائدة اعتبرت فيما بعد منهجًا تقنيًا للأجيال اللاحقة ونستطيع أن نقول أيضا إن هذه المدرسة كانت أكثر رحابة من المدارس الأخرى بحيث أعطت لأماكن الهواء الطلق متنفسًا داخل أعمالها، وبذلك كانت قد سبقت العديد من المدارس الأخرى فى الخروج من الأماكن الضيقة ما بين أجنحة الحريم وقصور الطبقة الغنية بل والأماكن التى وصفت بأنها أكثر جذبًا لأعمال المستشرقين مثل أماكن العبادة وغيرها.



اعتبر الاستشراق فى النصف الأول من القرن الـ19 هو العملية التى طورت الفن التشكيلى فى أوروبا عامة وفى فرنسا خاصة، وخصوصًا بعد أن كانت فنون التصوير تتخبط بين عدة مذاهب ومدارس لا تأتى بجديد لكن الاستشراق خلق تربة جديدة ومساحة للتنافس، كما أنه حقق أحلام الفنان والمتلقى معًا فى لمس الشرق وتذوقه عن قرب أى أن كانت هذه الصورة مغلوطة أو يعتريها الكثير من النقص، لذا فإن الاستشراق  لم يجذب فقط المتخصصين فى الشرق وحضارته، لكنه جذب أيضا العديد من فنانى المدارس الأخرى كنوع من أكتشاف طبيعة ومشهد جديد، ومن ثم نجد أن العديد من فنانى هذه المرحلة كانوا يعملون على المستويين أى التصوير التقليدى بموضوعاته والاستشراق وعوالمه الجديدة.

الحقيقة أن العديد من فنانى المرحلة طالهم النسيان أو كما يقول البعض قبعوا فى الليمبو، أى نفق النسيان فى الجحيم فترة ليست بالقليلة ولم يظهروا للوجود قبل أن يقوم المصنفون بفصل الاستشراق     ومدارسه عن باقى المدارس والحركات الفنية الأخرى، وهكذا ظلم النسيان والتجاهل أحيانًا الناتج عن الجهل، عظماء كثيرون ربما لو لم نتعرف عليهم لظلت أعمالهم العظيمة مجرد لوحات مجهولة فى مجموعة مقتنيات خاصة، وعلى رأس هؤلاء يأتى أحد أهم عباقرة الاستشراق فى من الجيل الثانى، وهو الفنان الملهم وصاحب الريشة العملية وهو الفنان الفرنسى ليون بيلى والذى والحق يقال من أهم أقطاب الاستشراق فى المدرسة الفرنسية بل وفى كل المدارس أيضا لأسباب عديدة سوف يأت ذكرها فيما بعد لكن قبل الكلام عن ليون بيلى وتقنياته علينا أن نتحدث عن إعادة اكتشافه وإعادته للمشهد بعد أن ظلت أعماله العبقرية تقبع فى مجموعات خاصة وأماكن مجهولة فترة طويلة والحقيقة أنك إذا دخلت قاعة المستشرقين فى الطابق الأول لمتحف دى اورسى الفرنسى الرائع سوف تعرف من هو ليون بيلى حينما تفاجئك أعظم لوحاته قافلة الحجيج إلى مكة والتى تعتبر ليست من أعظم أعماله قط بل من أعظم أعمال فن الاستشراق عامه هذه اللوحة، كانت محفوظة فى متحف اللوكسمبورج حتى عام 1881 ولقد صارعت الحكومة الفرنسية لاستردادها فيما بعد كما أن معظم لوحات ليون بيلى كانت قد أرسلت إلى سويسرا بعلم زوجته لحاجتها للمال أيضا هناك مجموعة كبيرة من أعماله فى فندق ساندولين التاريخى بسان أومير مسقط رأس بيلى وظلت أعماله فى هذا التفرق حتى قررت الحكومة الفرنسية فيما بعد جمع ما تيسر منها ووضعت بعضها فى متحف دى اورسى وبعضها مازالت محفوظة استعدادا لافتتاح متحف المستشرقين قريبًا والذى سوف يضم أكثر من 4000 عمل لعظماء المسشترقين من كل حدب وصوب.

لعل أهم ما يميز أعمال فنان كبير، مثل ليون بيلى هو ذلك الاختيار الحصرى الذى اختار فيه مشاهد أعمالة وكان من هو المبشر الأول بعصر الاستشراق الجديد والواقعى، الذى أتى فيما بعد وتمخض عن عظماء أمثال لودفيج دويتش وغيره من فنانى الاستشراق الذين صححوا مسار الاستشراق وخرجوا به من النظرة الضيقة الخيالية إلى حد ما ووضعوه فى ناحية الطرح الواقعى والتوثيقى أحيانا.

كان من أهم ما ميز ليون بيلى، هو أنه خرج بنفسه من القصور والأماكن المغلقة والتى اعتاد المستشرقون الأوائل تصوير لوحاتهم فى حدودها فخرج ليون نحو أجمل ما فى الشرق، وهى المناظر الخارجية الخلابة فغزا الضواحى بين بيروت وصيدا وصور مجموعة لوحات فى بعلبك لكنه لم يكن يصل لتمام استشراقة بعد حتى يصل لمصر مثلة مثل كل المستشرقين الذين وجدوا فى مصر مشهدًا مكتملًا لشرق وحضارته الخلابة ومن ثم ركز على الخروج للصحارى، فصور مشاهد الصيد فى الصحارى بعد أن عاش فترة فى كنف سليمان باشا الذى استضافة فى قصره الواقع فى القاهرة الفاطمية والملعب الثانى الذى غزاه ليون بيلى هو النيل وضفافه، والذى لم يكن المستشرقون قد وصلوا لماهية تصويره بعد وربما كان حب بيلى للريف، هو السبب فى ذلك حيث خرج فى رحلة نيلية حتى الصعيد على متن قارب من تلكم القوارب التى تقوم بعمل رحلات نيلية للسائحين، والتى جال فيها النيل العديد من المشاهير أمثال الكاتب جوستاف فلوبير، وكان لتأثير الرحلة النيلية نتيجة كبيرة فى أعمال ليون بيلى، حتى أننا نستطيع أن نميزه فى عصره على أنه المستشرق الوحيد الذى لفت نظرة النيل لهذه الدرجة ويظهر ذلك جليا فى إحدى خطاباته لوالدته والتى يصف فيها الصحراء والنيل والخضرة فى آن واحد ، وبالطبع كما أسر النيل وضفافه لب بيلى فمن الضرورى أن يحاول بيلى تصوير الريف والحياة فى الريف، حتى أنه كان يكتب فى خطابته كلمة فلاح وفلاحة بحروف لاتينية حتى يصف بها أهل الريف الأصليين وليس أصدق على ذلك من تلك اللوحة التى تصور مجموعة من الفتيات الفلاحات اللائى يملأن جرارهن من النيل والتى كانت فاتحة جديدة فى عالم الاستشراق، فقلدها ونسخها عدد لا حصر له من الرسامين فيما بعد، وكما صور أيضا حياة الريف ومجالسها الخلوية على ضفاف النيل.

ابتعد ليون بايلى عن العرى فى لوحاته الاستشراقية، على الرغم من أن لوحاته غير الاستشراقية تعج بهذا الأسلوب ولا نكاد نلحظ صدى لهذا العرى إلا فى لوحة الفتيات يملأن الجرار، حيث ظهر نهد إحداهما بشكل عفوى فيما لم يتلف حس اللوحة بالاستشراق كما فعل العرى بمعظم لوحات الاستشراق، كما أنه حاول ما وسعه تصوير الوجوه بشكل واقعى لكنه لم يبلغ شأو واقعية لوديفج دويتش لكنه اقترب منها فى لوحته الشهيرة الحجيج إلى مكة لأنه استلهم فيها مشاهدة حقيقية لقافلة الحجيج التى تسير فى الصحراء.

تتميز أعمال ليون بيلى بتقنية لونية رائعة، فهو يجيد تدريج الألوان فى لوحاته بشكل مذهل فهو يختار لونًا واحدًا لكل لوحة ثم يقوم باستخدام كل درجاته فهذا هو الأصفر بكل درجاته فى لوحة رحلة الحجيج وهذا هو الأخضر بدرجاته فى لوحة قارب فى النيل وهكذا.

بالإضافة إلى ذلك يتمتع ليون بيلى بقدرة رائعة على التشريح فهو من الفنانين الذين يقومون بعمل دراسات – كارتون – لأعمالهم قبل أن ينفذها فنجد أن هناك مجموعة اسكتشات تحضيرية لعمله رحلة الحجيج قام فيه بعمل دراسات تشريحية للجمل ووضعاته والذى يمثل أحد أهم أبطال اللوحة فكل قافلة الحجيج تحملها الجمال.

ولد ليون فيليب بيلى فى سان أومير عام 1827 وتوفى والده بعد ولادته بعام فنشأ فى كنف والدته ثم ألتحق بمدرسة البوليتكنيك، وكان يقوم برسم السفن الحربية وبعض الرسوم التقنية ثم ذهب فى أواخر أربعينيات القرن الـ19 فى رحلة للبحر الأسود ومنه لبيروت وصيدا، حيث رسم مجموع من اللوحات للضياع الصغيرة بين بيروت وصيدا وبعض أثار بعلبك، ثم أكمل رحلته إلى مصر حيث قضى بها عدة سنوات قضى منها فترة فى قصر سليمان باشا والبعض يقول إن سليمان باشا هذا هو سليمان باشا الفرنساوى، الذى استعان به محمد على فى مهام كثيرة فى تنسيق الجيش وكان فرنسيًا اعتنق الإسلام وبقى فى مصر هو الجد الأكبر للملكة نازلى والدة الملك فاروق ملك مصر الأسبق لكن هذا ليس، مؤكدًا فأحد المصادر تقول أن سليمان باشا المقصود هنا هو سليمان الجمدار الذى كان موكل بإدارة الأنفاق على المساجد فى مصر فى هذه الفترة.

قضى ليون بيلى فترة ليست بالقصيرة فى مصر وخرج فى رحلات نيلية حتى الصعيد ومن ثم استنسخ الريف فى أعماله كأول مستشرق يقوم بذلك، ثم رحل فى رحلة لسيناء أنجز فيها العديد من أعماله من بينها صيد الغزلان وهى إحدى اللوحات الشهيرة له أيضا.

عاد بيلى لفرنسا واستقر فى باريس ولاقت معارضه رواجًا كبيرًا، لكن على الرغم من ذلك كانت حركة البيع شحيحة فى هذه الفترة، ربما لأن الذوق العام كان يحبذ الاستشراق القديم فى هذه الفترة ومن ثم لم يكن ليون بيلى من أغنياء الفن وتوفى عام 1877 فى باريس بعد أن فتح الطريق للجيل الجديد من المستشرقين.