الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أردوغان وتعطيش الشعب السورى

أردوغان وتعطيش الشعب السورى

استمرارا لنهج التعدى على الشعوب تقوم تركيا أردوغان بتعطيش الشعب السورى على الطريقة الإثيوبية من خلال الضرب بالحائط كل القوانين والأعراف الدولية، وصولًا إلى عدم الاعتراف بعلاقات الجيرة التى تربطها مع كل من العراق وسوريا، حيث تستغل إدارة أردوغان الأوضاع المتوترة فى كلا البلدين لتقوم بمنع وصول المياه الى مسارب الأنهار عبر إقفال سد إليس، بالاضافة الى سلسلة من السدود تحت حجة تطوير جنوب شرق الأناضول، لكن الهدف الحقيقى موجود - مستتر، الا وهو الحصول على بعض المكتسبات على الأرض مقابل إعادة تدفق المياه والتحكم بمستقبل المنطقة المائى لإحكام السيطرة على حكومات دول الجوار التركى.



وتتعامل تركيا مع نهرى دجلة والفرات وكأنهما نهران تركيان ولا علاقة لسوريا والعراق بهما، علما بأن القانون الدولى يؤكد أحقية الدولتين على الاستفادة الطبيعية من النهرين، ورغم الاتفاقات الموقعة بين تركيا والعراق وسوريا فى الأعوام 1975 و1987 لم تلتزم تركيا بأى منها وهى اتفاقات كان من المفترض لو طبقت ان تقسم المياه بين الدول الثلاث بشكل متساوى  وعادل بواقع الثلث، بل قامت طيلة الفترة السابقة باقامة سلسلة من السدود وصلت الى 579 سدًا وتطمح تركيا عند انتهاء جميع المشاريع الى الاستحواذ على 80% من مياه دجلة والفرات.

شمال شرق سوريا هو المتضرر الاكبر من السرقة التركية للمياه وهى منطقة تضم  اكثر من مليونى مواطن سوري، حيث تعمد تركيا الى وقف تدفق نهر الفرات الى اقل من 200 متر مكعب فى الثانية وهى كمية لا تكفى لتشغيل المحطات الكهربائية ومياه الشرب ورى الأراضى الزراعية، اذ يعتمد أبناء هذه المنطقة على الزراعة كمصدر أساسى لرزقهم، وأصبحت مشاهد تراجع منسوب المياه من المشاهد المعتادة المرعبة بالنسبة لأهالى المنطقة، علمًا بأن نهر الفرات الذى ينبع من جبال طوروس بتركيا يمر بعدد كبر من المناطق السورية، كجرابلس والحسكة والرقة ودير الزور والميادين والبوكمال بالقرب من الحدود العراقية السورية، وتوجد محاولات فردية لاستخراج المياه من الآبار الجوفية الا ان تكلفة الاستخراج والجر عالية جدا بشكل لا يتوافق مع حاجة الأراضى الزراعية وقدرات المزارعين المالية.

ومؤخرًا ظهرت تلميحات تركية وصلت الى الجانب الروسي، بأن شرط انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منطقة الحسكة سيكون مقابل إعادة ضخ المياه، حيث وبسبب جفاف الفرات توقفت محطة توليد الطاقة الكهرومائية فى علوك والتى تغذى محافظة الحسكة وريفها بالكهرباء، ونفس المحطة كانت قد تعرضت بالسابق للقصف التركى المباشر الذى أدى الى توقفها لفترة طويلة، مع الإشارة إلى أن تركيا ومن خلال قطعها للمياه بهذا الشكل تهدف الى تركيع أبناء منطقة الحسكة الرافضين للتواجد التركى والميليشيات المرتزقة التابعة له وخرجت تظاهرات عديدة مؤخرًا ضد هذا الوجود الذى يعتبروه احتلالًا صريحًا من الجانب التركى.

إن ما يجرى ليس بغريب على العقلية التى تدار بها تركيا فى الوقت الحالي، فالسياسة التركية تقضى بإنهاك البلدان التى تشهد توترات أمنية وصراعات داخلية من خلال دعم الميليشيات الإرهابية والتوغل واحتلال الأراضى وممارسة سياسة الأمر الواقع، وحتى حجتها بشأن سوريا بأن قطع المياه هو للضغط على انسحاب قوات سوريا الديمقراطية التى تضم القوات الكردية إلا أنها تعطش وتفقر ملايين السوريين من  أكراد وعرب وتركمان وأرمن وسريان، والذين لا قدرة فعلية لهم فى الوقت الحالى على المواجهة بعد مرور عشر سنوات من الحرب المدمرة ومواجهة عشرات الفصائل الإرهابية المدعومة أساسًا من تركيا والتى تعيث الفساد والسرقة والنهب فى مناطق سيطرتها، فبعد سرقة منازل المدنيين تقوم الفصائل بسرقة وإحراق المحاصيل الزراعية للضغط على المدنيين ودفعهم للإذعان الكامل والقبول بالاحتلال التركى.

والأمر مماثل فى العراق, حيث بدأت معالم الجفاف تظهر على نهر دجلة ورغم مطالبات الناشطين والمدنيين والسياسيين الحكومة العراقية لاتخاذ تدابير ومواقف حازمة لتفادى تبعات التعطيش إلا أنها تقف عاجزة بسبب ما مر ويمر به العراق منذ سنوات.

ولطالما تم اتهام إسرائيل خلال السنوات الماضية بأنها فتحت معركة المياه فى الشرق الأوسط بعد بروز أطماعها فى الأردن ولبنان، لكن ومن خلال عمليات التسويف والمراوغة استطاعت تركيا أن تسبق دول المنطقة بأشواط وتتحكم بمياه ليست ملكا لها وحدها، متخطية المشاريع التوسعية والاطماع الإسرائيلية بسنين ضوئية، علما بأن تركيا تقوم رغم الاعتراضات الإقليمية والدولية ببيع المياه الى إسرائيل بموجب عقد يمتد الى 20 عامًا والذى يقضى بشراء إسرائيل لـ50 مليون متر مكعب.