السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 الخدمة.. والواسطة.. والتوصية (والقانون)

الخدمة.. والواسطة.. والتوصية (والقانون)

يخلط الكثيرون بين ثلاث مفردات هى؛ الخدمة.. والواسطة.. والتوصية، نتيجة موروثات عبثية خاطئة .. ورغم ما تجمع تلك المفردات من فكرة (الاستثناء) عن القواعد القانونية العامة المطبقة على الجميع وهى (المساواة دون تمييز )، وهو مبدأ دستورى متعارف عليه فى جميع الدول وعلى اختلاف أنظمتها وتطور تشريعاتها، فإن لكل من تلك المفردات حكمه القانونى المتفرد عن الآخر لما يكتنفها من تباين وتعارض وتناقض.   وقد أفرد المشرع الدستورى المصرى الصادر عام 2014 لمبدأ المساواة .. المادة (53) منه، بأن: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أوالعقيدة، أوالجنس، أوالأصل، أوالعرق، أواللون، أواللغة، أوالإعاقة، أوالمستوى الاجتماعي، أوالانتماء السياسى أوالجغرافي، أولأى سبب آخر..»  



ولكن تطرأ على مبدأ المساواة ثمة خروقات، قد تبدو للوهلة الأولى أنها تنال منه، إلا أنها فى حقيقتها جزء من المبدأ ذاته ؛ فاشتراط نسبة مئوية ما أوعدد محدد مثلًا للمرأة أوالشباب أو ذوى الاحتياجات الخاصة فى بعض الوظائف أوالمناصب هى فى حقيقتها ليست استثناء على مبدأ المساواة دون تمييز، بل ضمان تمثيل عادل لكل مكونات المجتمع فى نسيج الوطن الواحد.

ولا تفرق كثيرًا من الأفهام – عن جهل أوعمد – بين الحدود الفاصلة لحالات الاستثناء الثلاثة (الخدمة والواسطة والتوصية) .. فنجد من يطالب بإلحاقه بإحدى الكليات، أوبتعيينه فى إحدى الوظائف أونقله، مع (يقين ثابت ) أن هذا هوالطريق الأوحد، ناسيًا أومتناسيًا، أن القانون قد حدد شروطًا، ووضع قواعد شفافة ومتساوية لدخول تلك الكليات أولشغل الوظائف أوالتنقل أوما شابهها.

فالخدمة – فى مفهومها الواقعى - واجب قانونى وإنسانى لكل من تتوافر فيه القدرة والرغبة لأدائه، مثل مساعدة المسنين والمرضى والأطفال فى قضاء شئونهم، وتحض الشرائع السماوية على محبة الخدمة للمحتاجين، وهى فرض عين على كل قادر .. يُثاب فاعله، ويأثم تاركه، فإن الله سبحانه وتعالى فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه، ويدخل كذلك فى باب جبر الخواطر وقضاء حوائج الناس.  

 وتعد الواسطة جريمة مستقلة قانونًا بنصوص عقابية ولولم تتحقق نتيجتها، فقد اختص قانون العقوبات المصرى فى المادتين 109 و109 مكرر جريمة عرض الرشوة، وحدد عقوبة الحبس لكل من «عَرَض أوقَبِل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله العرض أوالقبول».. وشدد العقوبة إلى السجن فى جريمة «الوساطة» بقوله: «وإذا كان ذلك بقصد الوساطة لدى موظف عمومى يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة 105 مكرر».

 أما التوصية فهى وإن كانت إحدى حالات الاستثناء إلا أنها مباحة، وذلك إذا لم تؤثر على مبدأ المنافسة .. كالتوصية على إعفاء أوتخفيض مصاريف دراسية للمتفوقين، أوتقليل نفقات علاج لغير القادرين، بل فى الأعراف الجامعية يتم طلب توصية من أستاذ كبير لنيل منحة مثلا أوبعثة أوما شابهها من الجامعات الأجنبية. 

ولا أخفى سعادتى وسرورى الدائم، حين يتواصل معى أعز الناس إلى قلبى ووجدانى (أهلى وأصدقائي) .. طالبين « خدمات « أرحب بها وأشكرهم عليها لأنها سبيل للقربى للمولى عز وجل .. 

و«توصيات» أتحفظ على بعضها خشية إخلالها بنواميس العدالة .

 كما أعانى من الألم والمرارة لطلبات «وساطات» من هؤلاء الأعزاء، والتى أرفضها – بكل أسف - بحسم وحزم، ولا تبررها مطلقًا كلمة ( العشم ) .. وتكون إجاباتى المتكررة والصادمة فى أحايين كثيرة، أنها ضد أبسط قواعد العدالة وتكافؤ الفرص، وأن القانون وحده هوالذى يحدد إجراءات ما يطالبون به، وليس الواسطة التى يُحَرِّمُها الخالق الأعظم ربٌ العباد وتُجَرِّمُها قوانين البشر، فلا عاصم يومئذ من ربك العدل الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. 

وختامًا تبقى عبارة «الوعى بالقانون» هى الملاذ للوقاية من كل أشكال الجريمة، وصور الفساد المستشرى فى المجتمعات الإنسانية .. وذلك بغرس مبدأ «سيادة القانون» باعتباره السبيل الأوحد للحصول على الحقوق  (وليس ادعائها).. وما ضاع حق وراءه مطالب.. رضاءً أوقضاءً. 

وبالقانون تحيا مصر