الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فيفالدى وكنوز عصر الباروك

فيفالدى وكنوز عصر الباروك

أحيانا ما يكون التقسيم الإصطلاحى فى تاريخ أحد أنواع الفنون مجحفا بعض الشيء، ويظهر ذلك بقوة فى بعض تقسيمات العصور والمدارس فى فن الموسيقى فنحن مثلا نرى أن عدد لا بأس به من النقاد يرى فى عصر الباروك الذى يمتد من القرن السادس عشر وحتى القرن ال18 يرى فيه عصرا شابه التكلف فى فن الموسيقى، وحاولوا إقناعنا أن كثرة الزخارف فى عصر الباروك قد أفسدت علينا الموسيقى وصفاءها وهذا خطأ كبير قياسا على الكثير من عباقرة هذا العصر ويعود هذا الحكم الجائر لسببين أولهما هو دمج عصر الباروك والروكوكو فى إطار واحد من الناحية الموسيقية وهذا يظلم كثيرا إبداعات عصر الباروك.. والسبب الثانى هو أن الزخارف ربما كانت ظاهرة بشكل مبالغ فيه فى الموسيقى ذات الطابع الدينى لذا فلقد كان التعميم خاطئا بشكل ما ..



وعبقرياتنا الموسيقية اليوم هو أكبر مثال على أن عصر الباروك كان دائما من أخصب عصور الموسيقى وأروعها لذا فأن أنطونيو فيفالدى هذا الموسيقى الذى يستحق عن جدارة مبدع الموسيقى الوصفية وصاحب الرؤيا الدرامية فى الموسيقى البحتة.. وهذا تحديدا لأن أكثر أعماله شهرة كان الكونشيرتو الشهير – الفصول الأربعة – بالرغم من عظمة هذا الكونشيرتو فأننا أيضا نصبح أكثر جورا وإجحافا من النقاد إذا قصرنا أبداع فيفالدى على الفصول الأربعة فقط... ف كونشيرتو الفصول الأربعة قطرة فى بحر إبداع فيفالدى لكن دعنا نقول أن عبقرية فيفالدى فى هذا الكونشيرتو جعلة متداولا بشكل أكثر من هوسى وكلما ذكر فيفالدى يتبادر إلى الذهن الفصول الأربعة بشكل سريع وآلى، لكن فيفالدى عالم من الموسيقى وتاريخ من الأبداع يتعدى كونشيرتو وحيد اقتطعت منه أربع حركات فقط لتصبح العلامة المسجلة لأسم فيفالدى.

يعتبر أنطونيو لوتشيو فيفالدى المولود فى فينيسيا عام 1678 هو أحد أهم وأعظم موسيقيو حقبة الباروك بلا أدنى شك كما نستطيع أن نطلق عليه أن يتبع المدرسة الفينيسية، والتى كانت لها طابعها الخاص فى كل أشكال الفنون، وربما تتميز عن سائر المناطق الإيطالية بالكثير من الخصوصية والتى جعلتها أحد أهم منابر الفن والثقافة العالمية فى وقتها وسوف يؤثر ذلك على حياة فيفالدى وإبداعه بشكل كبير كما سنذكر فيما بعد.

اللافت للنظر فى أعمال فيفالدى هو هذا الكم الكبير من الأعمال الموسيقية التى تركها لنا فيفالدى من بين كونشيرتو وسوناتا وكورال دينى وأوبرا بل وصولوهات غنائية متخصصة، لكننا نقف هنا قليلا عند أعمال فيفالدى الأوبرالية التى والحق يقال لم يجاريه فى عددها ولا فى تفرد موضوعها أى موسيقى من عصرة فلقد ترك لنا فيفالدى حوالى 50 أوبرا كاملة ملحنه لكن تصل مجموع أوبراته إلى 87 أوبرا من بينها أوبرات شارك فيها وقاكم على أخراجها لخشبة العرض، وكان من حظ فيفالدى أن يعاصر قطبى المسرح الإيطالى فى هذه الفترة بشكل شخصى لأنهم كانوا من مواطنى فينيسيا وهم الكاتب المسرحى الكبير كارلو جولدونى والكاتب ماتاستاسيو واللذان كانت لها تأثيرات كبيرة فى المسرح وحول فيفالدى العديد من أعمالهم لأوبرات ولم يكن ذلك صعبا لأن المسرح حتى هذه الفترة كان يعتمد على الموسيقى والغناء بشكل كبير.

ولد الموسيقى الكبير وأحد أعمدة موسيقى عصر الباروك أنطونيو لوشيو فيفالدى فى جمهورية فينيسيا الأيطالية آنذاك فى 4 مارس 1678 وحيث لم يستطع والده أن يأخذه لأتمام المراسم التكريسية التقليدية فور مولده لأن فى هذا اليوم ضرب فينيسيا زلزال كبير كما كانت صحة فيفالدى ضعيفة جدا، كان والد فيفالدى يعمل حلاقا لكنه كان خبيرا شهيرا أيضا فى عزف – الكمان – وهذا ما دفعه لأن يترك مهنة الحلاقة ويعمل فى تعليم الكمان بشكل متخصص ويقوم برحلات هو وابنه أنطونيو حينما كان عمره 12 عاما ليعزفوا الموسيقى فى حفلات ومناسبات عامة.

شب فيفالدى معتل الصحة نظرا لأنه كان يعانى مرضا ولد به هو ضيق مساحة الصدر مما جعلة مصابا بالربو لكن ذلك لم يمنعه من تعلم آلات النفخ المتعدد وحيث أتقنها لكنه لم يمارس العزف عليها بشكل دائم نظرا لحالته الصحية، وفى سن صغيرة كانت والدة فيفالدى تعده لأن يصبح رجل دين نظرا لما يتمتع به رجال الدين فى هذه الفترة من حظوه ونفوذ وكان لها هذا حيث درس فيفالدى دراسة دينية ثم عمل كرجل دين معلم يدرس الموسيقى وآلة الكمان فى ملجأ – مستشفى الرحمه – أو ما يعرف ب (أوسبدالى ديللا بايتتا) وكان الملجأ ضمن مجموعة مؤسسات كبيرة ترعى الأيتام وتنفق عليهم وتعلمهم الموسيقى حتى سن ال15 عاما سواء فتيان أو فتيات ومن ثم يستطيعون الحصول على وظيفة محترمة، والحقيقة أن عمل فيفالدى فى هذا الملجأ كان أهم خطواته الموسيقية حيث تأججت مواهبة بعد أن أسند إليه تدريب وتعليم كورال الملجأ من فتيات وفتيان، وكانت أيضا ظروفه الصحية لها مزايا فى هذه الفترة حيث تم إعفائه من الخدمات والمهام الدينية نظرا لظروفه الصحية ومن ثم تفرغ للموسيقا تأليفا وتعليما وتعمق فيها بشكل أذهل معاصريه ومما أثبت نضوجه الفنى والإدارى أيضا أنه بعد عام ونصف العام من عمله فى الملجأ قرروا الاستغناء عنه وبمجرد أن رحل فيفالدى انهار النشاط الموسيقى تماما، وأصبحت حالة الكورس مزرية وهذا ما دفعهم أن يستسمحوه فى العودة مرة أخرى لكنه براتب كبير كما أسند أليه كتابة عملين موسيقين شهريا وهذا من شأنه أن يدعم موقفه ماديا ومعنويا .

لمع نجم فيفالدى وملأ أوربا قاطبة وتممتع برعاية كبيرة من من نبلاء عصرة فى فينيسيا وخارجها وكانت شؤونه المادية منتعشة فى مراحل حياته وكان يهدى الكثير من أعماله للنبلاء والحكام مما أدر عليه ربحا وفيرا .. لكنه فى العشر سنوات الأخيرة من حياته أنصرف الناس عن أسلوبه الموسيقى، حيث بدأ الأسلوب الكلاسيكى يدخل رويدا رويدا للمستمعين وأصبح فيفالدى قديما ومن ثم بدأ فى التفكير جديا فى الرحيل عن فينيسيا حيث قابل شارل السادس الأمير النمساوى وأقنعه شارل أن يأتى للأستقرار فى فيينا لكنه بعد أن وصل فيينا بعدة أشهر توفى شارل السادس وتركه بلا راعى أو دخل مادى فمات بعده بشهور حزينا فقيرا، ودفن فى مقرة متواضعة وكلفت جنازته 15 فلورين أى أقل من جنازة أفقر العامه فى النمسا عام 1741 عن عمر ناهز 63 عاما.