
حازم منير
الأزمـة اللبنـانية
تكمن المشكلة اللبنانية فى توازن الضعف الحاكم للمعادلة السياسية فى البلاد، فلا المعارضين قادرين على فرض إرادتهم، ولا الموالاة قادرين على تهدئة البلاد، الرافضين لاستمرار الصيغة الطائفية السائدة كأساس للتشكيلة السياسية فى البلاد يمتلكوا قدرة على هز الاستقرار والضغط الشعبى، لكنهم لا يستطيعون فرض إرادتهم فى التصور النهائى المطلوب، والمؤيدون للصيغة الحالية لا يقدرون على فرض سطوتهم لاستمرار الأوضاع القائمة، لكنهم قادرون على مقاومة الضغوط.
الصيغة الطائفية تحظى بتأييد واسع بين الطوائف المختلفة، وكل طائفة تجد فيها الملاذ الآمن، لذلك ما زالت الأغلبية منحازة للأوضاع القائمة حتى الآن، بينما بين قطاعات الشباب تجد تمردًا عنيفًا على الوضع القائم ومطالبات بإنهاء هذه المرحلة واعتماد عقد اجتماعى جديد لمستقبل لبنان.
من هنا تكمن الأزمة اللبنانية، عدم قدرة أى طرف على حسم الصراع العنيف العميق لصالحه، فالتقاطعات والتداخلات لا تتوقف عند حدود الصيغة الطائفية، لأن هذه الصيغة أصبحت تعبيرًا عن صراعات إقليمية أعلى، تتحكم فيها وتديرها قوى متصارعة فى المنطقة، حتى أن مصير وقرار أى طائفة بات مرتبطًا بالقوى الإقليمية التابع لها ، ومن الصعب للغاية أن تتصور قوى سياسية فى لبنان قادرة على تحديد مصيرها وقرارها بنفسها.
من السهل للغاية أن تطلق على لبنان بلد «الصراعات الإقليمية»، ورغم أن بلاد أخرى فى المنطقة مثل سوريا أو اليمن أو ليبيا تستحوذ على هذه التسمية، إلا أن لبنان يتميز بوجوده حتى الآن فى إطار الصراعات الإقليمية السياسية، وما زال يحافظ على المسافة الأساسية ما بين الصراع السياسى وبين الصراع المسلح.
فى الأغلب لو تم تعديل قانون الانتخابات وإجراء عملية مبكرة منها، ستأتى النتائج فى أغلبها فى إطار الأوضاع القائمة التى يثور عليها الناس، فمعطيات الواقع والقوى المؤثرة فى الخارج، وأطرافها فى الخارج ستلد نفس الواقع الحالى مع تغيرات طفيفة، وهذا ما يمثل عنصرًا آخر فى تعقيدات الصورة، حيث ستستمر الأزمة الكامنة فى الأعماق إلى حين تتفجر مرة أخرى مستقبلا لأى سبب آخر.
قوى التغيير فى لبنان مدعومة ضميريًا من المجتمع الدولى، لكن القوى التقليدية أيضا ما زالت صاحبة نفوذ على التكتلات الدولية، الأمر الذى يؤشر إلى أن أى تصور لحل المسألة أوعلى الأقل تحريكها، يتطلب وجودًا دوليًا، يفرض الحلول على الأطراف المختلفة، أوعمل ما يمكن تسميته الوصاية الدولية لتغيير الصيغة السياسية الحاكمة فى لبنان منذ اتفاق الطائف عام 1989، وربما لما هو أبعد من ذلك.
الأزمة اللبنانية لو انفجرت، ستشعل النار فى كل أراضى الشام، أكثر ما هى مشتعلة، وتجعل من الحلول المرتقبة حاليًا لبعض مناطق الصراع مجرد سراب أو أحلام، فهناك أطراف جديدة ما زالت تلعب فى الخفاء، لكنها تراكم بؤر نفوذها فى مناطق مختلفة من لبنان، انتظارًا للحظة مواتية، ومن أبرز هذه الأطراف الأتراك المتسللين للواقع اللبنانى بهدوء، والساعين لاستكمال مناطق نفوذهم وتأثيرهم، إلى النقطة الأخيرة فى منطقة الشام، بعد ما رسّخوا وجودهم فى سوريا والعراق.
الحل العربى للأزمة اللبنانية وإنقاذها من مصير مؤلم، لم يعد ممكنا أو مجرد رغبة بل أصبح ضروريًا، لكن معوقاته أيضا ليست بالقليلة، وقدرته على فرض وجوده، تتطلب الكثير من سيناريوهات التعاون بين العواصم العربية المختلفة، لكن الأمر يرتبط بتوافر إرادة الفعل والتنفيذ.