الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قصر «الخديو الصغير» على شفا الهاوية

قصر «الخديو الصغير» على شفا الهاوية

إسماعيل باشا المفتش الذى كان يلقب بالخديو الصغير والصدر الاعظم المصرى ومخدوم المعالى ذى الفخار المستديم  الذى ولد فى شهر ديسمبر من عام 1830 وهو نفس عام ميلاد الخديو إسماعيل وقد أرضعت أمة كبيرة وصيفات القصر الملكى وصديقة خوشيار هانم الأمير إسماعيل وصارا أخوة فى الرضاعة .



 بنى قصر إسماعيل باشا المفتش الذى سمى بهذا الاسم نظرا لأنة كان مفتشا عاما على أقاليم القطر المصرى  عام 1876 ويعد تحفة معمارية فى وسط القاهرة  وتم أقتطاع أجزاء كبيرة من حديقة القصر لإنشاء وزارتى المالية والداخلية 

وفى عام 2002 تم تخصيص مبلغ 62 مليون جنيه لترميم القصر وصلت حتى الآن إلى 200 مليون جنيها ولم يتم الانتهاء من ترميم القصر حتى الان.  ذلك القصر المكون من 3 أدوار تضم 18 غرفة رئيسية و42 غرفة صغيرة للحريم وفناء واسعاً، والقصر عبارة عن جزئين جزء شمالى وجزء جنوبى ويتوسط القصر نافورة جميلة ألا انها مغطاة ولم تمتد إليها يد الأصلاح حتى الأن , بل أن التماثيل المكونة للنافورة مغطاة بقطع من القماش القديم. 

يعانى قصر إسماعيل باشا المفتش من الإهمال الجسيم فقد تشققت جدران القصر وتساقطت زخارف السقوف وتشققت الحوائط فإين هو الترميم الذى أستمر منذ عام2002 وفى تقرير صادر عن الإدارة العامة لمناطق آثار السيدة زينب والخليفة عن تهالك شبكة الصرف الصحى بقصر إسماعيل المفتش الأثرى لأنها وحسب ما جاء فى التقرير موجودة منذ تاريخ إنشاء القصر أو تاريخ قريب منه ومنفذة بطريقة بدائية بجانب أن التعديلات التى أجريت عليها فى وقت تال قد أفسدت استخدامها. وتعرضت ماسورة المياه للكسر وحسب ما جاء فى التقرير تتسرب منها المياه بغزارة ما أثر على جدران وحوائط القصر الأثرى الذى قد يؤدى فى النهاية إلى انهياره وضياع معالمه الأثرية، وتغيير الماسورة ليس كافيًا لإيقاف تدفق مياه الصرف الصحى وتسربها إلى أثاثات القصر الأثرى.

ولكى نعرف أهمية شخصية إسماعيل باشا المفتش فى التاريخ المصرى الحديث سنبدء بالحديث عن طريقة وفاتة المريبة لنتعرف بعدها على الأسباب التى أدت لتلك الواقعة  غير المسبوقة فى تاريخنا الحديث.

ذكر مستر بلنت فى كتابة التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر حكاية مقتل المفتش كما سمعها من السير ريفرز ولسن والقصة كما رواها السير ريفرز تتلخص فى أن الخديو أمر بقتل المفتش خيفة أن يكشف للمستر غوشن والمسية جوبير ما أتاة الخديوى من ضروب الغش والتدليس والتلاعب فى الحسابات التى عرضها عليهما وكان إسماعيل يعرف كل شئ فهو وزير المالية. ولكن السير ريفرز ولسن ليس بالرجل الذى تنتظر منه أن يروى الحكاية بلا تحيز  فقد كان رئيس لجنة التحقيق الدولية التى عقدت للبحث عن السر فى أخفاق التسوية التى وضعها المستر غوشن والمسيو جوبير مع أن السر كان ملموسا لآنه لايمكن لأى مملكة مهما كانت غنية أن تدفع 66% من دخلها السنوى لسداد ديونها فالقتل كان بإيعاز من الممولين أو على الاقل نتيجة ضغطهم على الخديوى الذى جعله ينفذ. 

عملية القتل بطريقة خسيسة حيث استدعاه إلى قصره سراى عابدين علامة على الثقة به، وهدأ روعه، وتلطف فى محادثته، ثم أصطحبه إلى سراى الجزيرة مظهراً أنه رضى عنه، ولكن لم تكد العربة التى أقلتهما تجتاز حدائق السراي، وتقف أمام باب القصر، إذ عهد الخديوى إلى اتباعه بقتله، فقتلوه، وألقوا جثته فى النيل ولم يعلم الناس بادئ الأمر بما حل بالمفتش، واستمرت المحاكمة الصورية ماضيه فى سبيلها، وحكم المجلس الخصوصى بنفيه إلى دنقلة وسجنه بها، فى حين أنه لقى حتفه قبل أن تتم المحاكمة. اعتقد إسماعيل أنه بقتل المفتش قد حقق غرضين، أولهما أن يتخلص من إذاعة أسرار اشتراكه وإياه فى تبديد أموال الدولة، وثانيهما أن ينال عطف المندوبين الأوربيين جوشن وجوبير فى مطالبهما منه، وقد حقق إسماعيل الغرض الأول، فإنه بمقتل المفتش، وإلقاء جثته فى قاع اليم، قد غيبت معه أسرار التلاعب والعبث بأموال الخزانة العامة، أما الغرض الثانى فلم يتحقق، لأن إسماعيل صار تحت رحمة المندوبين الأوربيين وتدخلهما المستمر فى شئون الحكومة.

وبعد مقتل المفتش ارتفعت  الأسهم فى بورصة الإسكندرية بثلاثة بنوط ونصف فى ساعة ونصف وكتب مراسل جريدة التايمز إلى صحيفته  يقول  أن إبعاد المفتش يعتبر  بمثابة  خاتمة نظام عتيق  فأن الباشا كان زعيم حزب جعل ديدنة النظر بعين السخط  إلى ازدياد النفوذ الاوربى ومقاومة كل تقدم للمدنية فى البلاد   وهكذا أعتبرالانجليز وحملة القراطيس (الأسهم) الأنجليزية والفرنسية  إسماعيل المفتش  عدوا لهم وعدو للتدخل الاجنى فى شئون مصر  ولم يمض أسبوع حتى أرسل الخديوى إلى المستر غوشن والمسيو جوبير بقبول مشروعهما  فى18 نوفمبر 1876  أختلف المؤرخون حول إسماعيل باشا المفتش  فنجد أن عبد الرحمن الرافعى يتناوله كأبن لفلاحة مصرية اختارتها خوشيار هانم أم لخديو إسماعيل لترضعة بعد أن جف لبنها وأن نشئتة فى بيئة يحيطها العوز والفقر قد أثر علية فى نهمة لجمع المال وأنتهازيتة للوصول للمناصب وفى أستعراضه لبناء القصور ومنافسة الخديوى إسماعيل فى البذخ والاسراف   أما الزعيم أحمد عرابى زعيم الثورة العرابية فيعتبر إسماعيل باشا المفتش رجلا من رجال المقاومة وأحد الذين رفضوا الخضوع لحملة القراطيس من الانجليز والفرنسيين ورفض التدخل الأجبنى والوصاية على المالية المصرية التى كانت رأس الحربة والذريعة التى تحجج بها الاستعمار ليبسط نفوذه على مصر. ورغم البذخ الواضح فى دعوة الخديوى إسماعيل الذى كان يحاول التشبة بنابليون الثالث لكل ملوك أروبا لحضور إفتتاح قناة السويس والذى تكلف مبالغ طائلة إلا ان كل النهضة الحضارية فى عهدة والتى كانت فى فترة قصيرة حيث تم حفر قناة السويس وحفرت 112 ترعة للرى بلغ طولها 8400 ميل وامتدت السكة الحديدية من 275 ميلا إلى 1185 ميلا وتم مد الاسلاك التلغرافية فيما يبلغ طولة 5000 ميل وانشئ من الجسور 430  بما فيها كوبرى قصر النيل الذى ظل أمدا طويلا من خيرة جسور العالم واٍسست ميناء الاسكندرية وإنشئت فيها وفى مصر وابورات المياه لسقاية الأهالى وبنيت أحواض السويس ونصب 15 فنارا و64 طاحونة لصناعة السكر وتكريره وأدخلت إصلاحات عظيمة فى الطرق العامة فى القاهرة وغيرها وأنشئت دار الأوبرا وتم إضافة مليون وربع فدان من الاراضى البور للأراضى الزراعية وكل هذا يحتاج إلى وزير مالية عظيم يعرف كل كبيرة وصغيرة عن ورادت مصر وإيرادتها كما يحسب لإسماعيل باشا المفتش أنه أدمج البدو والعربان فى نسيج المجتمع المصرى فقد كانوا يغيرون على الفلاحين وتوسع فى سياسية محمد على بإعطائهم الاراضى الزراعية المستصلحة فى أطراف القرى وصحاريها بما يوزاى 120 ألف فدان حتى تلين بداوتهم ويصبحوا ملاك أراض ويندمجوا فى المجتمع الزراعى وتم التوسع فى التعليم ونلاحظ أن كل تلك الإصلاحات تكلفت ما يقارب من 44 مليون جنية وكانت خزانة مصر الخاوية وقت إفلاسها مدينة ب91 مليون جنيه  ونلاحظ أن فوائد الديون السائرة والثابتة كانت تقارب 24 مليون جنيه  بما يعنى أن الخديوى إسماعيل تم السماح له بالاقتراض بفوائد ربوية فاحشة كان الهدف منها احتلال مصر بتلك الطريقة من وجهه النظر الفرنسية وكانت مدخلا فقط للاحتلال الكامل من وجهه النظر الانجليزية ناهيك بالطبع عن الديون التى ورثها الخديوى إسماعيل من سلفه سعيد باشا والتى كانت تقدر بميلغ ثلاثة ملايين من الجنيهات. 

 لقد كان الخديوى إسماعيل مسرف وميالا للبذخ وساعده إسماعيل المفتش فى ذلك ولكن كانت هناك خطة مسبقة من إنجلترا وفرنسا لاستغلال ذلك وإستغلال ميله للتحديث باقراضه قروض بفوائد ضخمة خارج الإطار البنكى يمده بها سماسرة وتجار وانتهازيون ومقامرين اتوا لمصر فى ثوب ناصحين للخديوى ورغم كل ذلك أعد إسماعيل باشا المفتش خطة لسداد كل تلك الديون بشرط تخفيض الفوائد من سبعة فى المائة إلى خمسة فى المائة وأن تحول الديون السائرة والثابتة إلى دين واحد ثابت يخلص مصر من الوقوع تحت رحمة حاملى الأسهم من الأوروبيين. وهو ما أغضب الاستعمار وأعوانه وأحسوا بقرب فشل كل ما خططوه لاحتلال مصر فكان لزاما عليهم أن يتخلصوا منه.