السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هل الحسد القاتل حقيقة؟!

لا يختلف اثنان على وجود الحسد فى حياتنا إلا انه ومع وفاة بعض الأشخاص المشهورين بلا سبب ظهر الحديث عن الحسد القاتل وتحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحات للجدل، لاسيم بعد إعلان خبر وفاة أحد مشاهير السوشيال ميديا من الشباب، الذى لم يعانِ من أى أمراض مزمنة.



البعض اعتبر أن الحسد هو الذى قتل ذلك الشاب.. وهنا أثيرت عدة اسئلة حول هل الحسد يغير القدر؟ سؤال طرحه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا كان الموت قدرا فكيف للحسد أن يغيره؟ وهل يوجد أى شيء على وجه الأرض يمكنه تغيير أقدار الله؟

«الحسد سهم قد يودى بحياة الإنسان»، بهذا الكلمات بدأ الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فى القاهرة، حديثه معنا عن تأثير الحسد على حياة الإنسان.

وأكد د. العوارى أن الحسد أحد الأسباب التى يتوقف عليها حياة الإنسان، لذا علّم الله –سبحانه وتعالى- الرسول سيدنا محمد –عليه الصلاة والسلام- أن يستعيذ ويتحصن ضد الحسد، وهو الرسول بذاته، فما بالك بالعبد، على حد قوله.

وردًا على تساؤلات كثيرة بشأن عُمر الإنسان المحدد سلفا بمعرفة لله –سبحانه وتعالى- قبل ميلاد أى الشخص، قال: «حينما كتب الله أعمارنا لم يُطلع أحدا عليها، حتى ملك الموت لا يعلم بعُمر الإنسان الذى سيقبض روحه إلا قبلها مباشرة، حين يُبرز الله ورقتك له».

وتابع عميد كلية الأصول شارحًا: «الحسد كالسكين يقتل، أى أنه سبب من أسباب الموت، ولكن القاتل فى الدنيا يُقتل بتشريع إلهى منحه الله لولى الأمر»، مُردفا: «إن الحسد فهو جريمة معنوية عقوبتها فى الآخرة وليس فى الدنيا».

الدكتور عوارى أوضح وجود ما يسمى بـ»الأقدار المُعلقة»، فالله –سبحانه وتعالى- يمحو ويثبت ما يشاء فى صحف الملائكة بما فى ذلك عُمر الإنسان قائلا: «الدعاء والقضاء يختلجان ليوم القيامة، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وكم من دعوة صادقة ردت قضاء مجهول لا نعلمه».

وبيّن أن صلة الأرحام تبدل الأقدار وتؤجلها، متابعا: «قضى الله فى لوحه المحفوظ وعلمه الأزلى أكثر من عمر للإنسان، وهنا يتحكم الإنسان فى عمره، فلو أن إنسانا وصل رحمه كتب الله له عمرًا معينا، ولو أنه فعل كذا وكذا كتب الله له عمرًا آخر، وذلك ينطبق على الأرزاق أيضا».

وأشار د.العوارى إلى أن الحسد لا يؤثر فى المحسود إلا بأمر الله، فالعلّة من وجود الحسد هنا هى التحصّن بالله وقول الأذكار، ولو أن إنسانا لم يتحصن بالله لوقع تحت وطأة الحسد والذى تصل إلى حد الموت.

وأوضح عميد أصول الدين أن الرجل قد يحسد زوجته أو ابنه المتفوق أو ابنته إذا لم يبارك ويقدم مشيئة الله فى حديثه عنهم: «الرجل قد يقتل ابنه بعينه، والمرء يجب أن يوارى نعمته ولا يحدث بها أحدا لأن ذلك من أبواب الحسد، وليس كل الناس يتمنون النعمة لغيرهم».

أضاف أن الحسد نار تشتعل فى جوف الحاسد اعتراضا على نعمة الله لغيره، والتحصين هو الحل الوحيد، وكذلك التبريك وذكر الله عند رؤية ما تشتهى الأنفس حتى لو كان ولدك أو زوجتك

من جانبه أكد الدكتور أحمد عشماوي، أستاذ علم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن الحسد يغير القدر ويُبدل مصير الإنسان فى صحف الملائكة، قائلا: «هناك أقدار تتغير بتغير الإرادة والمشيئة، فكل يوم هو فى شأن».

وتابع عشماوى خلال حديثه لـ»روزاليوسف»: «هناك أقدار مربوطة بالأسباب وكل إنسان يساعد فى تقرير مصيره بأفعاله، لدرجة أن الإنسان قد يطول عمره بفضل صدقة أو دعاء، فالله يمنح للإنسان فرصة من خلال أعماله لتقرير مصيره».

واستطرد أستاذ التفسير شارحا: «لو قتل الإنسان يعلم أن مصيره القتل تطبيقا للقانون ولحد الله، وبذلك يغير الإنسان مصيره بسبب أفعاله»، مشيرا إلى نصيحة سيدنا يعقوب لأبنائه حينما ذهبوا إلى مصر، وطلب منهم أن يدخلوا من أبواب عدة، فقد كان خائفا عليهم من الحسد، لأن الأولاد كانوا يموتون قديما، وقد كانوا 10 إخوة ذاهبون معا إلى مصر.

وحذر عشماوى من كثرة تباهى المرء بنجاحاته وأمواله وأبنائه، قائلا: «هذا خطأ كبير، ويودى بالإنسان إلى التهلكة، لذا أمرنا الله بالاستعانة به على العين الحاسدة».

أما عن الآية الأخيرة فى سورة الضحى: «وأما بنعمة ربك فحدّث»، أوضح د. عشماوى أن التحديث بنعمة الله هنا لا يعنى الإفصاح عنها، وإنما إعطاء حق الله فيها، فمثلا لو أن الله رزقك بالمال فعليك أن تحدث بفضل الله عليك وتعطى للفقراء، وكذلك ينطبق الأمر على العلم والصحة.

ولفت أستاذ التفسير إلى أن أهل العلم والدين أيضا محسودين، حتى أن الكفار حسدوا النبى –صلى الله عليه وسلم- على مكانته الدينية، مستشهدا على الحسد بقوله تعالى فى سورة البقرة: « وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم..».

وأكد د. عشماوى أن الكثير من المشاهير يعانون من آثار الحسد ولكنهم لا يُطلعون الرأى العام على ذلك حتى لا يتعرضوا للهجوم، قائلا: «أنا شاهد بنفسى على حكايات عديدة لمشاهير فى الوطن العربى تعرضوا للحسد وفقدوا أموالهم، والبعض مات فى حوادث فجأة، ولم أجد شخصا من المشاهير أو الأغنياء سعيد فى حياته وفق روايتهم لي».

شدد د. عشماوى على أهمية الصدقة لرد الحسد، موضحا أنها تطفئ غضب الرب، فالإنسان الذى يتصدق ويفعل الخير ينجيه المولى من شرور الحسد والحاسدين، ويطيل فى عمره لأنه كالشجرة المثمرة.

وتابع: «وقبل أن يسأل أحد عن سبب إطالة عمر أحد الظالمين أو أصحاب الشرور، فببساطة هو رغبة الله فى أن يُرى الناس آياته وعبره فى هذا الظالم، فيصبح آية للناس، والناجون هم أهل الله والذاكرين والمتحصنين».

وفى سياق متصل، استهل الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر، تصريحاته لنا بالحديث الشريف القائل: «إن العين حقٌّ، تُدخل الجَملَ القِدرَ، والرجلَ القبرَ»، وهذا يعنى أن الحسد قد يقتل رجلا.

وذكر الأطرش قصة قبيلة فى عهد الرسول يُطلق عليها «بنى أسد»، كان الرجل فيهم يجوع 3 أيام، وإذا مر بزرع جف»، وحينما لقى 3 منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: «لم نر فى هذا اليوم رجلا مثل هذا قط»، فحفظ الله الرسول من أعينهم، وأنزل قوله تعالى: « وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ».

وحينما تعرض الرسول للحسد من أحد الأشخاص، جاءه جبريل عند رأسه وملك آخر عن قدمه وقالوا إنه محسود، فأمر الرسول بفك عقد الحسد من أسفل صخرة فى بئر، وكانت 11 عقده، وكلما فُك منها عقدة نشط الرسول.

وقال رئيس لجنة الفتوى الأسبق إن الحاسد فى النار، مستشهدا ببيت الشعر: « اصبِرْ على حسدِ العدو فإن صبرَك قاتلُـه، فالنارُ تأكلُ نفسَها إن لم تجدْ ما تأكلُهْ».