اليوتيوبر والتيك توكر
بداية من المؤرخ الإغريقى الشهير «هيرودوت» مرورا بالعصور المتتالية وصولا إلى العصر الحديث لاحظ الجميع أن المصريين لديهم طقوس خاصة بهم فهم يفضلون الأكل والشرب فى المطاعم ويفضلون قضاء الأمسيات فى تجمعات تقدم المشروبات يطلق عليها المقاهى...والحقيقة أن المقاهى بالإضافة إلى تقديمها للمشروبات وإمكانية التدخين فإنها كانت فى عصور مختلفة مكانًا للتسلية وأحيانًا منبرًا سياسيًا لتبادل الأفكار والاستماع إلى الخطباء العظام ومنهم على سبيل المثال لا الحصر, خطيب الثورة العرابية الكبير عبدالله النديم الذى احتكّ بمن يطلق عليهم «الأدباتية» وهى طائفة من الناس يستجدون بأدبهم العامى وطلاقة لسانهم فى الشعر... كان ذلك فى العديد من المقاهى ومن أشهرها قهوة متاتيا بميدان العتبة الخضراء.
كانت المقاهى أيضًا بمثابة ناد للمثقفين تدور فيها النقاشات ويتم فيها القاء الشعر والموسيقى والغناء... وكان أصحاب المقاهى يوظفون أحد الحكائين على الربابة؛ لتسلية الزبائن... وكانت المقاهى تتنافس فيما بينها لتوظيف أفضل الحكائين.
من الفنون التى اشتهرت فى المقاهى قديمًا أيضًا فن القافية وهوعبارة عن مباراة كلامية بين اثنين ممن يتميزون بخفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان... يقول أحدهما كلاما لأذعا فى وصف الآخر فيرد عليه بكلمة «اشمعنى» وهى اختصار «ايش معنى» فيرد الأول ردًا ساخرًا وهكذا... تستمر المباراة الكلامية بين الطرفين وسط قهقهة رواد المقهى.
ومع الوقت ومع ظهور الراديو ثم التليفزيون انحصرت تلك الممارسات فى مناطق محدودة أغلبها فى الريف ثم مع مرور الزمن اختفت إلا قليلا.
عصر المعلومات أتى بأدوات جديدة ربما لم تتوغل فى بداياته حتى ظهور شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة مثل اليوتيوب والفيسبوك وأخيرًا التيك توك فظهرت شخصيات تقدم فنونًا ومواهب وتسلية وربما آراء فقهية أو سياسية.
فى عام 2019 وصل عدد قنوات اليوتيوب إلى نحو 31 مليون قناة بزيادة 25% عن العام السابق له، بعضها لجهات رسمية وأغلبها لمستخدمين عاديين يرغبون فى مشاركة ما لديهم مع الآخرين... راغبين فى الشهرة والمال والإحساس بالقيمة...حجم المحتوى مهول... ربما يتخطى الـ500 ساعة جديدة يتم تحميلها كل دقيقة على هذا الموقع الكبير... يتم ملاحقة المحتوى المخالف لقواعد الملكية الفكرية وحقوق النشر كما يتم ملاحقة المحتوى الخارج عن الآداب أو المحتوى الذى يشمل خطاب الكراهية أو الاضطهاد أو يدعو إلى العنف والإرهاب.
إما موقع التيك توك المثير للجدل فقد وصل عدد مستخدميه إلى نحو800 مليون مستخدم وتم تحميله أكثر من 2 مليار مرة مع وجود نحو 41% من مستخدميه فى الفئة العمرية من 16 إلى 24 عامًا ووصل متوسط استخدامه يوميا إلى نحو 54 دقيقة.
والنقطة الأساسية هنا هى كيفية الاستفادة من تلك التقنيات لتمرير معلومات صحيحة ومفيدة مقارنة بالكثير من العبث والتسلية أو محاولات الكسب المادى أو استخدامها فى أعمال منافية للقيم والمعتقدات وهى قضية تحتاج إلى تفصيل.
