الخميس 1 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الهذيان الرقمي

الهذيان الرقمي

أتاحت منصات التواصل الاجتماعى الفرصة أمام الجميع ليتكلم وليعبر عن نفسه وعن آرائه ووجهات نظره فى القضايا المختلفة بقدر كبير من الحرية غير المسبوقة من قبل فى أى عصر وفى أى مكان، وللأسف الشديد فان منطقتنا العربية التى توصف بالاعتماد على الكلام حتى إن البعض يصفنا باننا العرب «ظاهرة كلامية» أى إننا نمتاز بالقدرة على الكلام والسرد والحكى وللأسف بالقليل من العمل والفاعلية ومع اننا امة القران الكريم المعجزة البلاغية الكبرى إلا أننا لم نستفد من تلك البلاغة إلا قليلا.



لدينا أمثال وحكم شعبية كثيرة عن موضوع الكلام منها «الكلام كالدواء اذا قللت منه نفع واذا اكثرت منه قتل» ومنها ايضا ان «ما قل وكفى خير مما كثر والهى»...العامية المصرية بها امثال رائعة عن نفس الموضوع منها «كلمة ابرك من مية» وبها ايضا «اسمع كلامك اصدقك...اشوف امورك استعجب» للدلالة على الفرق الشاسع بين الكلام والأعمال والأفعال.

هذه السلبيات المتعددة ليست دعوة الى الصمت.. «تكلم حتى اراك» مقولة الفيلسوف سقراط الشهيرة كما إن للإمام على كرم الله وجه مقولة مشابهة «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ»…

أما ما نراه اليوم من تصريحات وأخبار وبيانات ومعلومات على مواقع الانترنت المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعى المتعددة فهو أمر خطير، ويحتاج لمراجعة وذلك لعدة أسباب ابسطها فى حالة كون تلك المعلومات صحيحة فإنها تحتاج إلى تحليل عميق وضبط وأرشفة وترتيب حتى نتمكن من اختصار الوقت المستغرق فى استخلاص المفيد والمختلف... أحيانا كثيرة أتعجب من كم المترادفات التى يصيغها كاتب أو يلقى بها متحدث فى لقاء تليفزيونى أو فى مقطع فيديو.. الفكرة الاساسية ايضا تضيع وسط كل تلك الألفاظ والمصطلحات...الأخطر هو عدم تنظيم الحوار وعدم وجود هيكل واضح له يضمن تسلسل الافكار ووضوح محاورها المختلفة... أحيانا كثيرة يضيع التساؤل ضمن الحقائق فلا نعرف هل المتحدث يسأل سؤالا أم يقر حقيقة.

على سبيل المثال يتم اضافة 4 بيتايايت يوميا لموقع الفيسبوك (بيتا= الف مليون مليون)  فكل دقيقة على شبكة الانترنت يتم ارسال 190 مليون رسالة بريد الكترونى كما يتم مشاهدة 4.7 مليون مقطع فيديو على موقع اليوتيوب وتتم 4.1 مليون عملية بحث على محرك البحث الشهير لجوجل اضافة الى دخول 1.3 مليون مستخدم على تطبيق الفيسبوك، كما يتم انفاق 1.1 مليون دولار على مواقع البيع والتسويق الإلكتروني.

وبالرغم من تزايد اعداد الدول التى تقوم بسن قوانين لتنظيم الفضاء الإلكترونى، وما تشمله من عقوبات لعمليات الاختراق وتعطيل الخدمات واستغلال البيانات الشخصية الا أن الهذيان الرقمى مستمر بصورة تدعوالى القلق وتدعو الى ضرورة تحصين العقل ضد كل ما يطرح على تلك الشبكات وتمريرها على فلاتر التحليل والمقارنة والتحقق قبل استقرارها فى العقل والوجدان.