الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«وليم جثرى» نموذج الواقعية فى الفن الإسكتلندى والإنجليزى

«وليم جثرى» نموذج الواقعية فى الفن الإسكتلندى والإنجليزى

«إن من مزايا الفن أن تجد فنانا يطمح دائما أن يكون مختلفا ومجربا وحقيقيا» هذه المقولة الشهيرة لسير وليم وترهاوس إحدى أيقونات الرسم الغربى تلخص لنا جزءًا كبيرًا من تاريخ الفن التشكيلى الإنجليزى وخصوصًا فى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين والتى كانت مختلفة تماما فى أغلب نزعاتها ومدارسها عن معظم أوروبا وكان ذلك لأمرين أولهما سيطرة مناهج لفظت بقايا عصر النهضة التى تغنت به أوروبا حتى قبيل القرن التاسع عشر، أما الأمر الثانى هو اختلاف الأهداف التى سعى لها الفن الانجليزى عن نظيره فى أوروبا عامة فكان أكثر عملية واتجه إلى التصوير النوعى أى التصوير التاريخى والصحفى بل والتوضيحى أيضًا مما حدى بالفن الإنجليزى نحو إطار تميز به وكان نبعًا لمدارس كثيرة تلته وخصوصا فى الفن التشكيلى الأمريكى الذى لم يكن إلا إحدى صور الفن التشكيلى الإنجليزى مضافًا عليه بعض قيم القارة الجديدة . لذا كان هناك العديد من رواد الفن التشكيلى الإنجليزى برعوا فى أن يمارسوا كل الألوان الفنية مع تقيدهم بالإطار الإنجليزى الذى قوامه العملية والوقار ومن ثم اختلفت أعمالهم تقنية ومضمونا عن أعمال نظرائهم فى معظم أوروبا ومن بين هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه السمات وأصبحوا يمثلون انعكاسًا جليًا للفن التشكيلى الإنجليزى كان فنانا اليوم سير جيمس جثرى والذى يعتبر بحق من أيقونات الفن الإنجليزى والإسكتلندى فى هذه الفترة أى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فنجده بعيدًا تمامًا عن أخيلة الفن التشكيلى فى أوروبا, حيث أثبت أن الفنان يستطيع أن يمارس تقنيات عدة فى أعماله ويكون متفردًا ومميزًا فى نفس الوقت فنجده يمارس أحيانًا بعض الانطباعية ولكن ليس بغرض أن يكون انطباعيًا لكن فى جزء من اللوحة ليبرز شيئا ربما لا يستطيع إبرازه إلا بتقنية الانطباعية مع عدم الإفراط ويبدو هذا جليًا فى لوحته الشهيرة حاصدة الكرنب والشهيرة بـ ابنة هند <وتبدو فى اللوحة الانطباعية العقلانية من عدة سمات أولها حركات الفرشاة التى اعتمدها الانطباعيون كجزء أساسى وضرورى فى مذهبهم لكن جثرى يعتمد ضربات الفرشاة بشكل أكثر اتساعا من المعتاد، ثانيا الأجواء التى أحبها دائمًا الانطباعيون, حيث المشهد الخارجى والحقول والفلاحين والحصاد والأمر الثالث هو تلك التمازج اللونى وتقنيات تدرجه الفاتحة والمبهجة أحيانا كما استخدمه الانطباعيون، ويعتبر اختيار موضوعات جيمس جثرى للمشاهد الريفية والطبيعية من أهم ما يميزه بين العديد من أبناء جيله فى الفن الإنجليزى بل ويعود تميزه لاختيار موضوعات لم يطرقها من قبلة فنانين إنجلترا وإسكتلندا ومنها على سبيل المثال لا الحصر لوحة فتاه ترعى الأوز والتى كانت من أكثر اللوح التى حاكها العديد من فنانين الفترة اللاحقة علية وتعتبر تقنية الإيهام فى خامة التنفيذ التى استخدمها جثرى تقنية ميزت أعمال كثيرة له فهو يبتكر فى خلطاته الملونة ما يجعلنا نتوهم أن اللوحة من نوعية الأفرسكو والتى يستخدم فيها الرسام الألوان الخفيفة على الجص الطرى حتى تتشرب الحوائط اللون ليصعب محوها بعد ذلك. أما لوحته الشهير البائع المتجول فهى تعبر بوضوح عن إحدى موضوعات الرسم الإنجليزى المحببة وقبل أن نتحدث عنها علينا أن نذكر أن جيمس جثرى كان من أهم مصورى الواقعية الجديدة فى عصره وأنه لم يكن يعتمد الواقعية الفرنسية المنتشرة آنذاك إلا أنه كان متأثرًا بأحد أساطين الواقعية الفرنسية الجديدة والذى لم يصل فى شهرته إلى ما وصل إليه واقعين كثيرين وهو الفنان الفرنسى جوليو باستين لوباج وكان تأثير لوباج واضحًا جدًا فى أعمال جثرى التى تبنت مشاهد الريف وبعض مشاهد الحياة اليومية بل إنهم أى جثرى ولوباج يكادون يتطابقون فى تقنية اللون وتوزيع الضوء والظل بل وبعض حركات شخوص اللوحة مثل لوحة صانعة التبن للوباج والتى تتشابه كثيرا مع لوحات جثرى التى تسير فى المنطقة اللونية الخضراء بتدرجاتها، إذن فى لوحة جثرى الشهيرة البائع المتجول والتى تصور بائعًا متجولًا يسير قاطعًا الطريق التى تسير فيه سيدة وخلفها أحد رعاة الدواجن والتى تذكرنا بلوحته راعية الأوز ويمكن أن نقول: إن لوحة راعية الأوز هى أحد تفصيلات لوحة البائع المتجول لكن فى لوحة مستقلة. يعتبر جيمس جثرى من أهم فنانى البورتريه فى تاريخ الفن الإنجليزى خاصة وتاريخ الفن الأوروبى عامة بحيث كانت بورتريهاته هى معظم إنتاجه الفنى وربما كثرة أعمالة التى تتبع فن البورتريه قد جعلته إلى حد كبير ليس مطروقًا من قبل النقاد بحكم أن المتعجل منهم قد صنفه على أنه فنان بورتريه تقليدى أى من بين هؤلاء الذين يتم أستأجرهم ليقومون بعمل البورتريهات الرسمية لعلية القوم والشخصيات العامة، لكن فى الحقيقة لم يكن جثرى كذلك بل كان من مطورى فن البورتريه بشكل يجعلنا نطلق عليه نواة مدرسة البورتريه فى القرن العشرين فنحن نجد فروقًا شاسعة بين البورتريه الكلاسيكى وبورتريهات جثرى فهو يعد بالحركة الرمزية والتى تجعلنا نستشف شخصية الشخص المصور داخل البورتريه ونجد ذلك واضحًا فى بورتريه أندرو بونار والذى يصوره جثرى عاقدًا يديه تحت صدره وملتفتا بوجهه ناحية اليسار فى نبالة واضحة ونظرة عملية ثاقبة، كما أننا لا ننكر هذه الابتسامة الحيوية والمعبرة التى صور بها جورج ماكلاشلان فى البورتريه الشهير فجمع بين أسلوبه الحديث ورصانة البورتريه الكلاسيكى فى آن واحد وانطلاقًا من حرفية وتمكن جثرى فى فن البورتريه نقول: إن هذه الحرفية أدت به لأن ينجز إحدى أهم اللوحات الواقعية فى عصره وهى لوحته الشهيرة والإعجازية (رجال الدولة فى الحرب العالمية الأولى) والتى استغرقت منه ما يقرب من عشر سنوات من العمل الدءوب وكانت كما أسلفنا إحدى نتائج عبقريته فى فن البورتريه بحيث كانت وكأنها مجموعة بورتريهات واقعية لأشخاص حقيقيين فى وضعات مختلفة شكلت لوحة ضخمة لها معنى قوى ومغزى تستند لمشهد واقعى لا ينقصه الحواشى التى تشى بكلاسيكية ورمزية غاية فى العقلانية وهذه اللوحة الضخمة التى نفذها جثرى بالزيت على الكانفاس كانت بتكليف من السير أبراهام بايلى المفوض المالى لمستعمرة جنوب إفريقيا ويقال: إن الهدف منها كان تذكاريًا بحتًا لكن فى الحقيقة الموضوع برمته مشكوك فيه فربما أراد إبراهام أن تكون رمزًا تحفيذيًا لقوة إنجلترا ورجالها فى هذه الحرب الضروس وتضم اللوحة أشخاصًا حقيقين مثل جوزيف كوك وبيلى هيوز وغيرهم من قادة إنجلترا والمستعمرات وتبلغ مساحتها أربعة أمتار فى ثلاثة أمتار وأربعين سنتى وهى كبيرة الحجم بالطبع وتتبع اللوحة فى أسلوبها عامة مدرسة الواقعية الجديدة ولا يحرم جثرى لوحته من بعض الرمزية فهؤلاء القادة المشاركين فى الحدث معظمهم جالس على طاولة وبعضهم واقف ويبدوا بابًا كبيرًا فى خلفية اللوحة يفتح على تمثال ضخم لربة النصر المجنح لساموتراقيا اليونانية وهو تمثل قديم دون رأس ويرمز للنصر ونسخته الأصلية محفوظة فى متحف اللوفر بباريس ويلعب هنا جثرى بالرمز ليبين أن النصر حليف هذه الجماعة التى تتخذ قرار الحرب.