الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الأحزاب وتمويل الانتخابات

الأحزاب وتمويل الانتخابات

الرغبة فى إجراء انتخابات قانونية وعادلة، فرضت على الدول اتباع قواعد وإجراءات تتيح للناس التعبير عن رأيها، من اجل تحقيق نتائج تُعبر عن كل مكونات الدولة بقدر الإمكان، وحين واجهت تداعات التطورات التى لحقت بالميديا وانعكاساتها على الانتخابات، لم تجد مفرًا من إبداع وسائل جديدة، لمواجهة مخاطر محدقة بسبب مخططات اختراق المال السياسى للدولة والسعى إلى السيطرة عليها وافقادها استقلالها وإخضاعها لمصالح جماعات الجريمة المنظمة.



ومسألة تمويل الأحزاب من الملفات بالغة الحساسية، كونها تتعلق بأدوات المشهد السياسى، وهى التى تصنع الحكومات وتؤسس لإدارات الدول، وتبنى كوادر وطلائع المستقبل، لذلك وضعت الدول قيودًا مشددة على مصادر تمويل الأحزاب وتلقى التبرعات، لكنها فى المقابل حددت صياغات تتيح لتلك الاحزاب أن تلعب الدور المرسوم منها.

لذلك فإن تلقى أى حزب سياسى تمويل أجنبى من خارج البلاد يُعد جُرمًا مشهودًا لا تساهل فى شأنه، بل يُعد فى عُرف المجتمع خطيئة لا يمكن قبولها، ومصادر تقديم التبرعات للاحزاب يحكمها ضوابط واضحة لا تقبل التأويل أو التلاعب، ويجب أن تحكمها العلانية فى التمويل والشفافية فى الإنفاق.

بعض الدول وهى كثيرة، تمنح الأحزاب تمويلًا سنويًا، مساوٍ لعدد المقاعد التى يحتلها فى البرلمان، وفقا لقاعدة تساوى بين جميع الأحزاب، وهى بذلك تساهم فى توفير البيئة الملائمة للأحزاب فى عمل سياسى بعيد عن مصادر الشبهات، بل أن بعض التشريعات تمنح مكافآت مالية للأحزاب التى تحقق نتائج متميزة فى تمثيل المرأة مثلا أو فى الدفع بالشباب إلى  قاعات البرلمانات، أو تلك التى تحقق مستهدفات مجتمعية مهمة، إجمالا فإن الدولة تتعامل مع الأحزاب وفقا لهذه القواعد وغيرها فى ضوء ما تحققه للمجتمع من مشاركات تنموية.

الأحزاب عند تلك الدول، ليست أدوات للتسلية أو الترفيه، وإنما هى البيوت التى تؤسس لتركيبة المجتمع، وتتولى تنشئة أجيال مهمتها الأساسية المساهمة فى بناء الدولة، والأحزاب هنا جزء من عمليات التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة، لذلك تقوم الدولة بتمويل جانب من احتياجاتها وفقا لقواعد محددة، يغيب التمويل الرسمى فى حال غياب تلك القواعد أو تناقصها، وجزء من عملية التمويل يرتبط بدعم الأحزاب فى الانتخابات.

البعض يتبنى سياسات ما يسمى «التمييز الايجابى» والبعض الآخر يتبنى ما يسمى «التحفيز الايجابى» والفارق الجوهرى بين المصطلحين أن الأول يمنح دون مقابل، بينما الثانى يتطلب أن تحقق مقابلًا ما تحصل عليه، وهنا يكمُن الأمر، فى توفير حالة وطنية تسد الطريق أمام محاولات المال السياسى لاختراق الدولة، وتمنع احتياج الأحزاب إلى اللجوء للمولين حتى ولو كانوا وطنيين، وفى الوقت ذاته تتيح للأحزاب الاعتماد على مؤسسات الدولة كمصدر لدعم جانب من نشاطها.

الانتخابات لم تعد تسلية يمارسها البعض، أو عملية تطوعية يمُكن المشاركة فيها بمفهوم الهواة، وإنما أصبحت مسألة احترافية يلعب فيها المال عنصرًا مهمًا وجوهريًا، ليس بالمفاهيم السلبية، وإنما وفقا لواقع فرض نفسه على البشرية، لذلك تقدم الدول تحفيزات ايجابية، لكنها فى الوقت ذاته  تفرض قيودًا على الانفاق الانتخابى لحماية الدولة من مخاطر المال  السياسى غير الشرعى أو الانفاق المالى غير المبرر لشراء أصوات الناخبين.