الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات «27»

لغة الجينات «27»

‏ أسوأ ما يصيب أى شخص.. هو  الإحباط  من عدم تقدير ما يفعله ويقدمه.. فى الظاهر بيبقى عصبى.. متوتر.. مش طايق نفسه ولا طايق حد.. وفى الباطن بيبدأ يفقد طاقته  ومقدرته على الاستمرار حتى فى الأشياء التى سعى للحصول عليها... وحلم بها.



أصحاب الجينات الأصلية فى الحالة دى بيفقدوا مع الطاقة.. الرغبة فى  التحدث  حتى مع الأشخاص المقربون منهم، بيفقدوا  الطاقة للمناقشات، وبالتأكيد  بيفقدوا الرغبة فى العتاب واللوم.

«العتاب» فى الظاهر ممكن يكون حلا للخروج من حالة فقدان الطاقة بسبب الإحباط وعدم تقدير ما تفعله وتقدمه.. لكن فى الباطن.. الصمت بيكون رسالة أبلغ وأقوى.. فلو كان العتاب حلا ما أسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم.

فى الظاهر إخوة سيدنا يوسف حاولوا تبرئة أنفسهم فاتهموه هو  وأخوه بالسرقة وفى الباطن كانوا بيأكدوا لسيدنا يوسف أنهم مازالوا على شرهم.. لم يتغيروا ولذلك صمت ولم يبد لهم ما فى نفسه.. فالعتاب لن يكون حلا.. فأسرها فى نفسه. 

«الإحباط من عدم تقدير ما تفعل.. فى الظاهر بيكون لامبالاة واضحة واستصغار كل شىء فى عينيك  وسؤال منطقى يتردد فى ذهنك طول الوقت  «هو أنا بعمل كل ده ليه؟» وفى الباطن رغم الإحباط.. جيناتك الأصلية بتجبرك على الاستمرار وبتسعى  بكُل جُهدك لتحقيق ما يراه أصحاب الجينات الخبيثة مستحيلا.. بيصر النور بداخلك على الاستمرار فى إنارة الطريق للناس.

سيدنا يوسف  فى الظاهر لم يعاتب إخوته.. فالعتاب ليس حلا.. لكنه فى الباطن أيضا  لم يتخل عنهم وأحضرهم  جميعا ليعيشوا  فى مصر...حيث القصر والخير.

العملاق  الكبير الراحل «توفيق الحكيم».. كان ممن أصروا على إنارة الطريق للناس حتى آخر عمره.. فى الظاهر كان الأب الروحى للثورة.. حظى بالتكريم فى كل المناسبات.. فالرئيس عبدالناصر اعترف أنه كان يقرأ له وتعلم منه.. وفى الباطن  لم يعاتب الرئيس الأسبق على أى من قراراته التى رآها غير صحيحة.. ولخص أزمة المصريين وقتها فى  كتاب عودة الوعى.. والذى قال فيه: «كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصرى فاقداً الوعى، مرحلة لم تسمح بظهور رأى فى العلن مخالف لرأى الزعيم المعبود..سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعى.. اعتدنا هذا النوع من الحياة الذى جعلتنا فيه الثورة مجرد أجهزة استقبال».

 العملاق الكبير «توفيق الحكيم» ورغم الشهرة والمجد فى الظاهر والتكريم من الرئيس السادات  .. لم يتردد فى  الباطن عام 1972 أن يكتب بنفسه «بيان الحكيم» الذى وقعه 111 مثقفا ومفكرا تأييدًا لمطالب مظاهرات طلاب الجامعات،والتى طالبت بإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم.. وهو البيان الذى  أغضب السادات وفصل الصحفيين الموقعين عليه واتهم الحكيم بأنه «مخرف»...وقال عنه وقال :«رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة أن رجلا رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض فى أواخر عمره».

«توفيق الحكيم» فى الظاهر شخص عادى وبسيط.. متأمل دائما وهادئ جدا.. وفى الباطن مجدد كبير، استلهم أعماله من التراث المصرى، عبر عصوره المختلفة، سواء كانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية.. مزج بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض، ففى أسطورة «إيزيس» التى استوحاها من كتاب الموتى، فإن أشلاء أوزوريس الحية فى الأسطورة، هى مصر المتقطعة الأوصال التى تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها على هدف واحد.

«توفيق الحكيم» فى الظاهر ظل متهما من الكثيرين بسبب كتاباته فى الدين وهاجموه بشدة واتهموه بالزندقة والكفر.. وفى الباطن أصر على استكمال إنارة الطريق للناس.. أصر إبقاء شعاع النور بداخله حاضرا دائما.. وكتب بصوفية شديدة وجميلة سلسلة مقالات بعنوان «حديث إلى الله» نشرت فى جريدة الأهرام عام 1983 وكانت ببساطة مناجاة مع الله خالق الكون، من رجل تخطى الخامسة والثمانين من العمر.

«توفيق الحكيم» فى الظاهر كان مقربا من الكبار.. قادرا على عتابهم.. لكنه  فى الباطن كان يعلم أن العتاب ليس حلا.. كانت لديه قدرة غير عادية على استقبال الرسائل وفهمها.. قدرة غير عادية على اتخاذ مواقف جريئة.. لم يصبه الإحباط أبدا رغم عدم تقدير الكثيرين لما قدمه.. ظل مخلصا للنور الذى بداخله.. ينير الطريق للناس حتى لو هاجموه واتهموه بأبشع الاتهامات.

احذر من الإحباط.. اعتزل ما يؤذيك..  تخلص من العلاقات المؤذية.. والنَّاس المؤذية قولاً وفعلاً ولفظاً  قصداً أو جهلاً. 

من يؤذى ليس مغيباً ولا غافلاً.. أصحاب الجينات الخبيثة تعلم جيداً ماذا تقول.. تعرف جيداً ماذا تفعل.

اعلم أن أصحاب الجينات الخبيثة المؤذية  لا تتغير، فلا تستنفد طاقاتك فى العتاب.. فلو كان العتاب حلا ما أسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم.