الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
كلام الناس

كلام الناس

لا شك فى اننا جميعا نتوق إلى أن نكون الأفضل والأحسن والأكثر مهارة وإنسانية وذكاء وخفة دم وأخلاق وتدين ونجاح على جميع الأصعدة ليس هذا فحسب بل نأمل فى أن يشعر من يتعامل معنا بذلك بل ويخبروننا به أيضا.



هذه هى الطبيعة البشرية العادية ولكن فى الكثير من الأحيان يتطور الأمر فنصبح عبيدا للناس منقادين لما يقولونه عنا ونرغب فى الاستماع دوما لكلمات الإطراء وننزعج أيما انزعاج من خلاف ذلك.

ومن يقع فى هذا الفخ تتحول حياته إلى جحيم حقيقى فالقصة الشهيرة لجحا وابنه والحمار هى خير دليل على أن الناس لا يرضون ولا يجتمعون على رأى واحد فأثناء سير جحا وابنه برفقة الحمار وفى البداية امتطى جحا ظهر الحمار وسار ولده بجواره ومروا على أناس صاح أحدهم «ما هذا الأب القاسى يركب ويرتاح ويترك ولده يسير على الأرض الوعرة»... تنبه جحا فنزل وجعل ابنه مكانه ومروا على أناس آخرين فصاح أحدهم قائلا «انظروا إلى هذا الابن العاق يركب الحمار و يترك أباه ذلك الشيخ الكبير ليسير على تلك الأرض الوعرة»... أمر جحا ابنه بالنزول وسارا بجوار الحمار وعند مرورهم على قوم آخرين صاح أحدهم «يا للعجب من سوء تصرف هذا الأب وهذا الولد. يسيران بجوار الحمار ولا يستفيدان من وظيفته الأساسية لحملهما على ظهره» عندئذ امتطى جحا وولده ظهر الحمار وسارا فى طريقهما وعند مرورهما على مجموعة من الناس صاح احدهم «انظروا إلى هؤلاء  قساه القلوب يمتطون ظهر الحمار الضعيف بأوزانهما الثقيلة... أين الرحمة»... فكر جحا ثم قام هو وولده بحمل الحمار على الأعناق وعند مرورهم على مجموعة أخرى من الناس اتهموهما بالجنون واقتادوهما إلى أحد مستشفيات الأمراض العقلية متهمينهما بالجنون.

والحقيقة أن الأمر قد زاد علي حده بصورة كبيرة وخاصة مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعى والتى تسمح للجميع بمراقبة الجميع والتعليق على ما يقومون به من أعمال... والحقيقة أن كلام الناس لا نهاية له ومن المستحيل إرضاء الجميع فهى غاية لا تدرك.

من القواعد الحقيقية قاعدة الـ60/40/18... فعند سن الثامنة عشر تكون مهتما بشدة بكلام الناس ورأيهم فيك وهو ما يحركك ويتحكم فى تصرفاتك ثم عند سن الأربعين تصبح لا تبالى بهذا الكلام مدحا أو ذما وتعتقد أنك قد وصلت إلى قمة الحكمة وإلى الأسلوب الأمثل فى تلقى هذه الملاحظات ثم عند سن الستين تكتشف أن الناس لا يبالون بما تفعله على الإطلاق...إنها شهوة النقد تلك التى تحركهم... ربما الغيرة والحقد أيضا أو إسقاط فشلهم عليك فيقومون بدور الناصح أو الموجه علاجا لخواء أرواحهم وضعف نفوسهم وقلة نجاحاتهم ووفرة إخفاقاتهم.

قصة أخرى موجودة فى بعض كتب الرقائق والوعظ بلا إسناد ولكن معناها حقيقى تتحدث عن أن كليم الله سيدنا موسى دعا ربه قائلا «رب نجنى من ألسنة الناس» فقال له المولى عز وجل «يا موسى أنت تطلب شيئا لم أصنعه لنفسى»...سبحان الله.