الخميس 1 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الإتقان والكمال

الإتقان والكمال

كلما تعرضت لموقف فى الحياة أرى فيه أمور الفهلوة والاستسهال والتراخي وأحيانا النصب أعود بالذاكرة إلى سنوات التعليم الأولى، أتذكر الحديث الشريف عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ. ثم أتذكر باقي الأحاديث النبوية الشريفة التى تعلمناها فى بداية حياتنا فأجد أنها تضع منهجا واضحا للنجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة وأتعجب كيف أننا انطلقنا فى الحياة ومررنا بالعديد من المواقف والأشخاص باحثين عن حكمة الحياة وقواعدها السليمة؛ استخلاصا من تلك المواقف والبحث أيضا فى المواقف التى حدثت للغير وأقوال الحكماء والشخصيات المؤثرة فأجد أن تلك القواعد وهذه الحكمة تدور كلها فى فلك تلك الأحاديث التى قدمت لنا على طبق من ذهب ولكننا لم نعرها الاهتمام الكافى فى تلك الفترة ربما لحداثة السن أو لعدم شرح تلك الأحاديث الشرح الوافي.



أتذكر حديث آخر للنبى الكريم يقول فيه ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود كان يأكل من عمل يده وأتذكر الحيرة والتساؤل عن سبب ذكر نبى الله داوود بالذات فلم نجد أي إجابة فيما قدم لنا من شرح لهذا الحديث فى الكتاب المدرسي أو من خلال أستاذ المادة... ثم تمر السنين ونعرف أن ذكر نبى الله داوود بالذات لأنه كان ملكا نبيا اتاه الله الملك ثم أتى من بعده ابنه سليمان عليهما وعلي النبى الكريم أفضل الصلاة وأتم التسليم.. بالمناسبة داوود تعنى المحبوب.. لم يذكر لنا أحدنا أن الاستشهاد بنبى الله داوود يعود إلى أنه كان ملكا ومع ذلك لم يمنعه الملك من أن يعمل ومن أن يأكل من عمل يده.

عدم إيضاح هذه النقطة لنا اعتبره نوعا من أنواع عدم الإتقان فى توضيح الفكرة وفى شرح أبعادها المختلفة وهو شرح أن تم لكان له مردود كبير على استيعابنا للفكرة الأساسية من الحديث وفى رؤيتنا لقيمة العمل وعدم ربطه بالحاجة إليه مثلما رأينا العمل أمرا مستهجنا فى أوساط الأغنياء والأعيان والارتباط بين العمل والفقر أو بالحاجة إلى الحياة.

وللأسف يربط بعضنا بين عدم الإتقان ومقولة إن الكمال لله وإن جل من لا يسهو والحقيقة فإن هذا خلط فاسد وكلمة حق يراد بها باطل فعدم الإتقان أصبح هو الأصل وقيام أحد بإتقان عمله أصبح من الأمور النادرة بداية من من يقوم بمسح أو غسل السيارة فى الصباح، مرورا بموظف يتأخر عن ميعاد عمله أو يقوم بإعداد تقارير مطلوبة منه بها العديد من الأخطاء الإملائية أو لا تشمل كافة جوانب الموضوع الذى هو متخصص فيه أو طبيب لا يهتم بالتركيز فى عمله، فيقوم بتشخيص خاطئ أو يصف دواء غير مناسب أو مركز صيانة لا يقوم بالصيانة بالطريقة الصحيحة فتحتاج الى زيارتهم عدة مرات بعد الزيارة الاولى هذا بالإضافة الى عدم الاتقان، فيما يتم صناعته من اجهزة ومعدات او حتى فى تفهم المهمة المطلوبة مهما كانت تافهة فكم مرة أعطيت حارس العقار مبلغا من المال لشراء خبز وأتى اليك بكمية اكثر أو أقل من تلك التى طلبتها منه بحجة انك طلبت منه ذلك أو بحجة النسيان أو بأى حجة أخرى واهية.

المشكلة التالية تكون فى عدم شعوره بأى نوع من التقصير، فالحجج جاهزة وإلقاء اللوم على الآخرين هو أسهل الطرق ثم تأتى الحجة الفاسدة بان الكمال لله وإن جل من لا يسهو كما سبق القول والحقيقة إن السهو والخطأ يكونا مقبولين، بعد أن تكون قد توخيت الحذر وقمت بعملك بإتقان متبعا كل الطرق والأساليب التى تضمن لك تقليل الخطأ إلى أقل قدر ممكن وهنا تظهر المقولة الهامة إن من أمن العقاب، فقد أساء الأدب وأساء الفعل وأساء الأداء رأيت ذلك عشرات الآلاف من المرات وأسف على ذلك كل مرة بنفس درجة الانزعاج وعدم الراحة... نحتاج إلى أن يستقر فى يقيننا أن الإتقان عبادة وأن ما تتقنه سيعود عليك بالنفع فى الدنيا والآخرة وإن آخر طريق التراخي والاستسهال لن يكون فوزا كما يعتقد البعض بل خسران وتراجعا.