الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 30

لغة الجينات 30

«البشرى» والأنباء السارة قد تفعل فى الجسم ونفسية الإنسان ما لا يمكن تصوره.. فى الظاهر تعطيك الأمل والسعادة .. وفى الباطن تحول حياة أصحاب الجينات الأصلية  تمامًا ، فقد تشفيك من أمراض وقف أمامها الأطباء عاجزين ...»بشرى» عودة سيدنا يوسف وأنه حى يرزق ..أعادت لسيدنا يعقوب بصره ، بعد أن أبيضت عيناه حزنا.



«البشرى» عند  أصحاب الجينات الخبيثة مختلفة تمامًا، فى الظاهر يأخذون بها  أكثر مما يستحقون، وفى الباطن يضمرون شرًا.. أخفوه خلف فرحة وابتسامة كاذبة.

«السيارة « فى قصة سيدنا يوسف استبشروا بالعثور على غلام .. ابتسموا فى وجهه وفرحوا به  .. فى الظاهر ذهبوا يطلبون الماء فحصلوا على أكثر مما يستحقون.. وفى الباطن اتخذوه «بضاعة» وعبدًا .

فى الظاهر أخرجوا الطفل الصغير البرىء من الجب ،لاطفوه بالكلام .. أعطوه الأمل فى غد أفضل، أوهموه بأنهم منقذوه ومن سيكتبون نهاية عذابه.. وفى الباطن كعادة أصحاب الجينات الخبيثة  واللئام وتجار البشر فى كل العصور، خططوا للاستفادة منه..  بدلًا من مساعدته وإكرامه.. خططوا حتى لخداع من معهم فى القافلة واتفقوا على قول إنهم اشتروه من أهل الماء وخداع كل من يقابلهم بزعم أنه بضاعة لهم اشتروها من حر مالهم.

الشيخ محمد متولى الشعراوى من أصحاب الجينات الأصلية ممن  كانت تأتيهم «البشرى» ..فكان كلما سافر إلى المملكة العربية السعودية يحرص على زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثت  قطيعة  بين مصر والسعودية، وأمر الرئيس جمال عبد الناصر، بسحب البعثة الأزهرية التى كان يترأسها الشعراوى هناك.

 فى الظاهر حزن الشيخ حزنًا شديدًا لأنه سيحرم من حبيبه صلى الله عليه وسلم الذى كان حريصًا على قضاء عطلته الأسبوعية فى رحابه ... وفى الباطن هداه الله أن يقوم بزيارة الوداع، وداع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسافر الشيخ من جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة إلى المدينة المنورة - المسافة 450 كيلو- ثم يقف فى المواجهة الشريفة لرسول الله ويبكى بكاءً شديدًا، .. ثم يجلس فى الروضة الشريف بعدما صلى ركعتين لله عز وجل ، فتأخذه سنة من النوم، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرؤيا - يربت على كتفه - ويقول له: لا تحزن يا شعراوى فإن لنا بابا بمصرهو الحسين.

فى الظاهر استيقظ الشعراوى من  نومه فرحًا مسرورًا وفى الباطن عزم على زيارة الإمام الحسين فور عودته بالقاهرة، وعند وصوله إلى الباب الأخضر للإمام الحسين، لاحظ الشيخ أن عقارًا يطل على الإمام الحسين يتم بناؤه  فحجز به شقة بالدور الثانى العلوى  ليطل على المسجد ويكون بجواره.. وشقة أخرى خصصها لإطعام الطعام.

«الرؤية والبشرى السارة» تكررت كثيرا فى حياة الشيخ الشعراوى .. ففى الظاهر كانت  بداية علاقة الشيخ بآل البيت والسادة الصوفية، والتى تسودها المحبة والوئام ،وفى الباطن كانت الباب نحو الخير وإطعام الطعام من باب الحكمة التى تقول لقمة فى بطن جائع خير من بناء ألف جامع.

« البشرى» هى التى دفعت الشيخ الشعراوى للموافقة على الذهاب إلى الجزائر رغم أنه كان يرفض السفر .. فى الظاهر كان  الشعراوى متصوفًا بالفطرة كباقى المصريين .. وفى الباطن «البشرى» جعلته  يسلك طريق التصوف وينتهجه بعد لقائه بالشيخ الصوفى الجزائرى محمد بلقايد شيخ الطريقة الهبرية الشاذلية.. فقد رآه فى المنام.. والتقى به فى الحقيقة ورحلا فى نفس العام !

فى العام 1963... كان من المقرر أن يترأس الإمام الراحل محمد متولى الشعراوى بعثة الأزهر الشريف إلى الجزائر، لكنه اعتذر بشكل مفاجئ عن الرحلة.

وقتها فوجئ «الشعراوى» فى منامه بمشاهدة رجل فى رؤياه يسأله: «لماذا لا تريد القدوم إلينا؟»، قبل أن يطلب منه المجئ إلى الجزائر، وهو ما دفع إمام الدعاة إلى تغيير رأيه مقررًا السفر.

وقتها  توجهت بعثة الأزهر لحضور حفل الذكرى الثامنة لاستقلال الجزائر فى القصر الرئاسى، وفوجئ «الشعراوى» بالرجل الذى رآه فى منامه جالسًا ضمن مجموعة علماء، وعلى الفور أسرع متوجهًا إليه فقام الإمام بلقايد واحتضنه وكأنه يعرفه من سنوات طويلة... ومن المفارقات  أن الإمامين وُلدا فى نفس السنة 1911، كما توفيا سويًا فى 1998، لكن «الشعراوى» لحق بالرفيق الأعلى قبل «بلقايد» بشهرين.

«البشرى» ظلت تأتى  للشيخ الشعراوى حتى قبل وفاته بقليل فى الظاهر وقبل وفاته بـ 18 يومًا كان يبدو نائما لفترات طويلة وفى الباطن كانت الطريقة الوحيدة لإيقاظه من النوم أن يجلس أحد بجواره ليقرأ القرآن فإذا أخطأ يستيقظ الشيخ ويصحح له .

إعلم أن البشرى ستأتيك  فمهما اشتد ظلام الباطل، وتقطعت السبل فباليقين بالله، يوصل ما انقطع ويتبدل الحزن فرحاً، والضيق سعة، والعسر يسراً «.. فربما أعطاك فمنعك.. وربما منعك فأعطاك»