الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التريند» بوصلة البرامج الدينية

حالة من التدنى يشهدها الخطاب الدعوى عبر الفضائيات، فما بين فتاوى شاردة وأخرى لا تتسم بالمسئولية، يتصدر «التريند» اهتمامات البرامج، لتصبح فتاوى وتصريحات الدعاة فى قائمة الأخبار المثيرة للجدل والسخرية معًا، فهل باتت البرامج الدينية فخًا للقضاء على الدعوة؟



مؤخرًا أطلق الداعية خالد الجندى تصريحًا عبر إحدى الفضائيات يتهم فيه كل المدافعين عن سيدنا النبى محمد -عليه الصلاة والسلام- والحافظين لأحاديثه الشريفة بأنهم أكثر ناس تسب وتلعن، الأمر الذى أثار حفيظة عدد من الدعاة والعلماء، الذين اعتبروا أن تدنى لغة الدعوى عبر الفضائيات  كارثة .

الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن والداعية الإسلامية أكدت أن القائمين على الخطاب الدينى فى الفضائيات أنفسهم فشلوا فى تجديده وإعادة تصديره للجمهور بما يلائم احتياجاته المعاصرة، مضيفة: «ترجع حالة الانحدار فى الخطاب الدعوى إلى خلو الساحة من دُعاة جدد قادرين على اجتذاب الشباب، وحتى المتواجدين حاليًا ينشدون التغيير ولا يبلغوه على أرض الواقع».

وحددت أستاذ الفقه المقارن الصفات الواجب توافرها فى دعاة الفضائيات، وأولها أن يكون الداعية مرتبطًا بمشكلات المجتمع الحقيقية، وأن يكون حيويًا فى خطابه قادرًا على مجاراة مستجدات عصره، ولا يلتزم برأى واحد فى بيان الحكم الشرعى، وأن يُقرن الآراء بالأدلة، وأن يكون قريب التواصل من الناس بشتى الطرق.

ورفضت «صالح» ما يُسمى بـ»الداعية الكشكول»، الذى يستفتيه الناس فى كل القضايا، حتى النساء، فقد كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفتوى النسائية من نصيب زوجات النبى، ولا يجيب عنها داعية أمام ملايين الناس عبر شاشات التلفاز مثلما يحدث الآن.

انتقاد لاذع وجهته الدكتورة سعاد لمن يتصدر الساحة الدعوية عبر الفضائيات قائلة: «هناك إصرار على تصدير وجوه معينة، وإقصاء لأصحاب الخبرات والمتخصصين لأغراض مختلفة، وأنا حاليا لا أجد برامج دينية تستحق المتابعة، وأظن أن شأنى فى ذلك شأن الكثيرين ممن زهدوا فى متابعة تلك البرامج بسبب تفاهة محتواها القشرى غير المتعمق فى القضايا التى تمس المسلمين بحق فى هذه الأيام».

وطالبت الداعية الإسلامية بدمج الفقرات الدينية فى برامج «التوك شو»، بشكل أكثر فاعلية وجدية، قائلة: «الناس تتابع برامج التوك شو، وهى فرصة لدمج فقرات دينية اجتماعية تحظى بمتابعة واهتمام الناس، وتتاح فيها فرصة المشاركة الجماهيرية والأسئلة المتنوعة التى تُثرى الفقرة».

 الدكتور أحمد حسين، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر فى القاهرة، يرى أن : «معظم المتواجدين على الساحة الدعوية فى الفضائيات من الهواة، وهؤلاء لا يراعون المكان والزمان اللذين يتحدثان فيهما».

وعلى حد تعبير عميد كلية الدعوة فإنه يوجد الكثير من شباب الدعاة فى الأزهر والأوقاف لكنهم لا يجدون فرصة الظهور على الفضائيات، وتُترك الساحة لمن يتناولون التعليق على الأخبار الرائجة أو ما يسمى بالتريند، لجذب المشاهدات، دون تناول قضايا مؤثرة فى المجتمع.

ولفت إلى ان الخطاب الدعوى عبر الفضائيات يحتاج الكثير من الجهود، وأولها أن تكون لدى القائمين عليه خطة واضحة المعالم والأهداف، مضيفا: «يجب الابتعاد عن القضايا الهامشية ودغدغة مشاعر الناس بالخطاب العاطفى، وتقديم حلول واقعية لإشكاليات المجتمع الدينية، بعيدا عن تلك الحلول المثالية بعيدة المنال».

وعن سر اختفاء ظاهرة الداعية «النجم»، فسر الدكتور أحمد حسين: «فى فترة من الفترات تصدر عدد من الدعاة الساحة الإعلامية واستقطبوا ملايين الشباب مثل نجوم السينما، ولكنهم كانوا أصحاب أجندة، وهم من تسببوا بعد ذلك فى عزوف شريحة كبيرة من المجتمع عن متابعة البرامج الدينية».

وتابع عميد كلية الدعوة: «نحتاج دعاة بأجندة وطنية، شرط أن نمنحهم الفرصة ونسمع لهم، ويجب أن تتوفر فى هؤلاء صفات الداعية المخاطب للجمهور، وليس المنغلق على ذاته، المتبنى للغة حوار ركيكة وغير جذابة»، مؤكدًا ان أصحاب الفضائيات يتحملون المسئولية وراء تدنى محتوى البرامج الدينية، وشدد الدكتور أحمد حسين على ضرورة عدم سعى أصحاب الفضائيات وراء الداعية «النجم» الذى يتبنى خطابًا عاطفيًا أكثر منه منطقيا يتماشى والعقل، مُعلقًا على ذلك: «للأسف يلجأ أصحاب الفضائيات لذلك النوع من الدعاة لأن الناس عايزة تتسطل بخطاب عاطفى يبكيهم ويداعب مشاعرهم، وهذا ليس الدين، فالإسلام أسمى من ذلك بكثير، وهؤلاء الذين يسطلون الناس بخطابهم أبعد ما يكونون عما يدعون إليه عبر الشاشات».

وضرب الدكتور حسين نموذجًا للداعية الفقيه وهو الشيخ متولى الشعراوى، قائلا: «لو لم تُتح فرصة الظهور الإعلامى للشعراوى لما أصبح إمام الدعاة، وهذا شخص توفرت فيه كل صفات الداعية من علم وملكات شخصية وخطاب ولسان فصيح قريب إلى العقل والقلب معًا»، مؤكدا أن بيننا العشرات مثل الشعراوى لكن لا يُسلط أحد الضوء عليه، وهذه مسئولية المؤسسات الدينية، والداعية نفسه الذى يجب أن يسعى بشتى الطرق للوصول إلى الجمهور، شرط أن تتوفر فيه الصفات الواجبة.

واختتم عميد كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف: «للأسف لدينا مشكلة فى تسويق الداعية الوطنى، الأمر الذى يُفسح المجال أمام الهواة للسيطرة على الفضائيات، والخطاب الدينى حينما يصدر عن غير المتخصصين فإنه يأتى خطابا متحجرا متبنيًا لرأى واحد دون سواه، وقد تشوبه أهداف خبيثة».