السبت 16 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
نحن الآن!

نحن الآن!

نحن شعب متدين بالفطرة مدافعين عن الدين بشدة وبقسوة مع الآخر وبعيدا عن أن هذا محمودا أو مذموما هل يعقل أن شعبا يبكى لعدم فتح المساجد فى فترات الأوبئة والأمراض الخطيرة ويبكى أكثر لأنه لم يحج ولم يعتمر هذا العام مع أنه حج واعتمر من قبل عدة مرات، هو نفسه الشعب الذى  وبمنتهى البساطة لا يسأل عن جاره ولا يكلمه ولا يهنئه فى المناسبات ولايلقى التحية عليه إلاهمهمة غير واضحة ذرا للرماد فى العيون، إنه نفس الشعب الذى يمكن  بمنتهى البساطة يمكن أن يدق الخوازيق أمام متجره ليمنع السيارات من الوقوف أو الركنة لكنه يهرول لسجادة الصلاة ليصلى إذا سمع الآذان رغم أن هذه الصلاة لا تمنعه عن إيذاء الآخر قولا وفعلا ولفظا وأحيانا لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر. 



أنت كمواطن إذا ذهبت للشراء  ومنجذب للسلعة سواء أكانت خضارا أم فاكهة حيث المانجو طازج ومرصوص بشكل بديع فإذا طلبت أن يزن لك»2» كيلو مثلا فأنت غير مسموح لك بالاختيار أو أن تنتقى الثمرة التى تعشقها عينك لكن مفروض أنه هو من يتخير لك وعندما تعود لبيتك تكتشف أن نصف ما اشتريت إما غير ناضج أو معطوب، وعندما تعود من البيت للسوق لكى تراجعه فى بضاعته المغشوشة يفتح جاعورته وتجحظ عيناه وترى وجه مجرم كان منذ نصف ساعة وديعا رقيقا وهو يخدعك ببضاعته المغشوشة. 

إذا استأجرت سباكا واستأمنته أن يشترى لك أدوات السباكة أو التمديدات والمواسير يسرقك فى قيمة البضاعة وفى نوعيتها وقد حدث ذلك معى وأنا أمد خطوط المواسير لتركيب الموتور، وسرق السباك منى أكثر من ألف جنيه ولم ينس أن يصلى ويبسمل ويحوقل طيلة وقوفه معى!

إذا طلبت من إحدهم أن يفك لك مائة جنيه قال لك لا ليس لدى ودرجه ملىء بالفكة، وإذا وقفت بالسيارة فى الشارع ظهر لك مجرم مبرشم أو مسطول يطلب منك أجرة وقوفك فى الشارع أو يفتح المطواة فى وجهك وقديفتح لك وجهك نفسه.

نحن مجتمع سائل لا رابط له ولا ضابط،  كوزموبوليتان مصرى غير متجانس تحكمنا الأعراف ولا نعترف بالقوانين والقوانين لا تطبق إلا على الغرباء أو الضعفاء، الشارع لا قاعدة تحكمه ولا قانون ينظمه والمحافظون أكل ومرعى وقلة صنعة إلا من رحم ربى. نحن نعيش فى القاهرة جميعنا أغراباً متباعدين ومتنمرين لبعضنا البعض، الدولة مشغولة بالتنمية وإعادة ترتيب مافسد خلال سنوات طويلة جدا والمحليات فاسدة وكل من له رغبة فى فعل شىء يفعله، أو بالبلدى كل واحد بدراعه، وإذا كانت العاصمة هكذا فكيف هى المحافظات!!

اتصل بى أحدهم من قنا يستنجد فى مشكلة، فقلت له أنا أضعف من أن أحلها يمكنك أن تلجأ لفلان من بلدكم قنا وهو من نواب البرلمان وله كلمة مسموعة من أعلى سلطة إلى أقل مسئول. 

قال لى القناوى الصريح نحن لا نعرفه هو وأخوته أنهم حتى لا يرشحون أنفسهم كقناوية بل كقاهريين ولن يرد على تليفونى!

لقد فسدنا حتى النخاع وكل ما نراه من تدين هو شكلى ظاهرى نؤديه كما يؤدى الممثل دوره فى الفيلم مشخصا شخصية هى أبعدما تكون عن شخصيته الحقيقية. 

نحن مجتمع أصبحت تجارة الأعضاء وخطف الأطفال كالصلاة والصوم نؤديهم بآلية شديدة وكأنها طقوس محفوظة بلا روح ونتعامل مع أخبارها كأننا نتوقعها ولم تعد تدهشنا، ومروا على صفحات الفيس واحصوا عدد الأطفال التائهين أو المخطوفين. 

كل يوم عشرات الأطفال تائهون من أمهاتهم وأبائهم وكأنهم دجاج أو أرانب طفشانة، كيف يحدث هذا وما الذى أصاب الأمهات وما الذى يجرى فى المجتمع المصرى وما هذه العدائية بين البشر وبعضهم وما هذا الجشع والطمع والقسوة غير المبررة أحيانا. 

كل الشعوب مرت بما نمر به من أزمات لكننا تأثرنا كثيرا بكل الأزمات التى مرت وتمر بنا لدرجة الانحراف حتى كأننى أمام شعب غير الشعب الذى أنجبنى، كل هذه القسوة وكل هذا الانفلات الأخلاقى والاجتماعى من الذى نثر فى مياهنا حبوب الكراهية والبغضاء وجعلنا نصلى ونصوم ونحج ونغتاب ونرتشى ونسرق ونسكر ونحشش ونتحول إلى جماعات وفرق هذا إخوانى وهذا سلفى وهذا ملحد وهذا لا دين له ولا ملة ولا أخلاق.