الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بيئة عمل جديدة

بيئة عمل جديدة

إن علوم الإدارة وتنمية الموارد البشرية وكل العلوم الإنسانية التى تساهم فى الارتقاء بالعمل الإدارى بشقيه العام أو الخاص إنما تهدف بالأساس إلى خلق بيئة عمل صالحة لتحسين الأداء واستخدام العنصر البشرى بكفاءة  وتحقيق التنمية والتخطيط الجيد وتحقيق المواءمة بين الموارد والاستراتيجيات والنهوض بالمنشأة أو بالأحرى المكان الذى نعمل فيه، وذلك  لتحقيق الغايات التى تسعى الإدارة إلى تحقيقها.. ولكن تبقى هناك مشكلة رئيسية تعانق العمل الإدارى أينما كان وهو الصراع الذهنى بين الرؤساء والمرؤوسين وبين المرؤوسين بعضهم البعض وأحيانا بين الرؤساء وأقرانهم.. وأنه ليصيبنا حقاً بالدهشة، إذ إن النظريات التى عكف على وضعها العلماء فى مجالات التنمية البشرية نراها تتهاوى تحت وطئة النزاعات اليومية التى يمكن أن تحدث بين زملاء أى مؤسسة ما، بما يصيب إدارتها بالاضطراب والشعور أحيانا بالقصور ويثير علامات الاستفهام وخيبة الأمل.. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه إذاً أين منبت الخلل؟ ولما لم تحقق النظريات العلمية الخاصة بالجودة وتنمية الموارد البشرية مآربها؟ الحقيقة أن الخلل ليس فى النظريات أو حتى تطبيق النظريات التى تُحدَّث من آن إلى آخر ولكن الخلل يكمن فى أذهننا.. إنها الحرب التى نشنها داخلياً على الغير بهدف إشباع متطلبات «الأنا» والتخلص من التهديدات التى تتسرب بداخلنا، إنه الشعور بتحقيق الذات أو التفوق أو إثبات أن الصواب دائماً فى جانبنا والخطأ فى جانب الآخرين، إنه الفراغ الذى قد يصيب البعض ويحاول ملئه بالانشغال بالآخرين، وأنه أيضاً السعى الأعمى وراء الربح والشعور بالحرمان ومحولة الوصول إلى الإشباع دون جدوى، إنه تضخم الذات الذى يفقد الإحساس بالإنسانية.. إنها الطبيعة البشرية التى أعيت العلم والعلماء وأصابت الفلاسفة بالحيرة، تلك النفس التى يصعب وضع قوالب لها أو توقع رد فعلها على وجه التحديد، تلك النفس التى لا تعرف ماذا تريد سوى أنها لا تريد اللحظة الراهنة التى تعيشها، تلك النفس التى تعانى أحياناً من الاضطراب والقلق والضجر والامتعاض وعدم الرضا .. إن جزءاً كبيراً من العنف الذى نمارسه ضد بعضنا إنما ينبت من القاعدة الذهنية المعروفة «بنحن مصيبون وهم مخطئون»، فإننا نشعر أننا نمتلك الحقيقة وأننا ضحية والآخرون أشرار مما يبرر ممارسة شتى أنواع العنف ضدهم ومعاداتهم، مما يجعلنا ندور جميعاً فى دائرة الفعل ورد الفعل.. إن اندلاع الحروب التى راح ضحيتها الآلاف ممن فقدوا حياتهم وأصيبوا بعاهات لا شفاء منها لم يتسبب فيها مختلون عقلياً بل أشخاص طبيعيون .. ولكن ليعلم كل من يشن حرباً على الآخر بنطاق عمله ويأمل الفوز بها أن العلم أثبت أنك بفعلك هذا سوف تقوى الآخر وسوف تخلق لك عدواً جديداً وشراً قد يفوق ذاك الشر الذى ألحقت به الهزيمة.. فلندرك الحقائق ولنتخطى التشوه الذى تسببه «الأنا» فى علاقتنا مع الآخرين ولنكف عن إلقاء اللوم والتذمر وإساءة تفسير أفعال الآخرين أو تجاهلهم كلما دعتنا «الأنا» إلى ذلك ؛ من أجل بيئة عمل مثمرة .. فإذا كانت «الأنا» تشكل طبقاً لتعريف العلماء حالة من «اللاوعى» بما يعنى أنها تجرنا إلى عالم سرمدى من «اللاوعى» فلابد من أن نتنبه لذلك بالإبقاء على حالة الوعى.