
محمود عبد الكريم
السلطان العثمانى الواهم
عندما سقطت دولة المماليك فى الشام ومصر بسبب الخيانة التى قادها خاير بك ضد السلطان الغورى ، ثم خيانة البدو للسلطان طومان باى الذى احتمى بهم فسلموه للسلطان العثمانى سليم الأول، ورغم أن العثمانى عرض على طومان باى حكم مصر تحت الراية العثمانية إلا أن السلطان طومان أبى فشنقه سليم العثمانى على باب زويلة. بسقوط دولة المماليك اصبحت مصر تحت الولاية العثمانية وهو ما أدى الى تراجع كل المكتسبات التى تحققت تحت الحكم المملوكى حتى أن الوالى العثمانى الذى كان يعين من قبل الأستانة كان يختار أمهر الصناع والحرفيين ويرسلهم لتركيا بلا عودة فضلا عن إرسال خراج البلاد الى السلطان العثمانى الذى كان يعيش متطفلا على الأيرادات التى تأتيه من البلاد التى سيطر عليها بعد غزوها بجيوشه.
من جديد الحلم العثمانى يضرب فى فكر وعقل السلطان الواهم أردوغان والذى تخيل نفسه أن بمقدوره أن يعيد الأمبراطورية العثمانية ولم يستوعب أنه عندما تحول غربا للانضمام للإتحاد الأوروبى رفضوه ورفضوا أوهامه، وبدلا من الاندماج فى عالمه الإسلامى تطلع للغرب وصاحب هذا التطلع أوهام قديمة عن امبراطورية أسسها الأتراك الهمج البرابرة الأوائل، وصورت له أوهامه انه من الممكن استعادة ما يسمى بالخلافة الإسلامية التى انتهت فعليا بوفاة آخر الخلفاء الراشدين الأربعة.
اذا الخليفة الواهم لا يريد أن يفيق من وهمه ويعرف أن مصر اليوم تحت زعامة الرئيس السيسى ليست مصر تحت حكم الولاة العثمانيين وأن مايفكر فيه لابد أن يجد ثمة رجل رشيد فى بلاده يوقظه وينتزعه من احلامه الفاوستية
والحقيقة أن العداء التركى لمصر قديم جدا ويرجع لقرون مضت عندما كونت القبائل التركية المتناثرة على جبال الأناضول دولة موحدة أسسها المغامر أرطغرل قبل خمسة قرون واستطاع ابنه عثمان تأسيس امبراطورية بالغزو المستمر للدول المجاورة مستغلا تطاحن الغرب الأوروبى والحروب الأهلية فى امريكا.
وقد استطاع محمد على فى فترة من فترات السيطرة العثمانية على المنطقة أن ينتزع الحكم الذاتى من الآستانة وكاد ابنه ابراهيم أن يسقط هذه الإمبراطورية عام 1827 لولا تدخل بريطانيا وروسيا وفرنسا ووقف زحف وانتصارات ابراهيم باشا الذى كان على أبواب اسطنبول.
بقيت مصر هى الدولة العصية على البهلول التركى وتعاملة بندية بل وبتحد صارخ وحددت تحركاته فى المنطقة ووضعت له خطوطا لا يتعداها وهى تتميز فى نديتها لتركيا عن بقية دول المنطقة ، وهذه الندية هى التى أشعلت جنون البهلول العثمانى اذ كان يحلم بخلافة تعلنه سلطان على المنطقة من جديد ويبقى هو زعيمها.
ومع ذلك ولأنه رجل براجماتى عاد من جديد امام الصلابة المصرية وعدل من لهجته الوقحة بل وبدأ بمغازلة مصر التى اظهرت له العين الحمراء ، ولذا فإن أهم خطوة لإنقاذ أردوغان من أوهامه باقامة امبراطورية عثمانية أو اعادة الخلافة التى سقطت عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك هو أن تعى تركيا أن الطموح المبالغ فيه فى المنطقة غير مجد، وخاصة فى مجال الطاقة والعمل على ضمان أمن واستقرار العراق وسوريا على طول حدودهما والأعتراف بسيادة كل من الدولتين على أراضيها.
والأهم التطبيع مع مصر واحترام كلمتها والبعد عن التحرش بها لعواقبه الوخيمة التى قد تطيح بأردوغان نفسه.
ولا ننسى أنه لكى يبدى حسن النية تجاه مصر عليه أن يوقف المنصات الإعلامية التى تنعق ليل نهار من ارضه وتسبح بحمده دون أن يقولوا له انه فى الحقيقة رجل واهم.