الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدولة والعداء للمجتمع المدنى

الدولة والعداء للمجتمع المدنى

تظل العلاقة بين الدول ومنظمات المجتمع المدنى مثار جدل وحوار، مهما كانت نوعية القوانين المنظمة، أو مواقف وسياسات الحكومات المختلفة، أو حتى من جانب المنظمات نفسها وتصورها لدورها المجتمعى.



لكن السؤال الذى فرض نفسه وبإلحاح لفترة طويلة هو« هل الدولة المصرية على عداء سياسى مع منظمات المجتمع المدنى؟، وهل يمكن اعتبار الخلافات فى بعض المفاهيم أو الرؤى بمثابة عداء؟ وإذا كانت العدائية هى عنصر الصلة بين الدولة والمجتمع المدنى، فكيف نفسر وجود قوانين تنظم تلك العلاقة؟

يرى البعض أن الدولة المصرية تكره المجتمع المدنى وتضعه فى خانة العداء السياسى، وهى رؤية بالقطع قاصرة كونها تستند إلى التعميم المُطلق فى توصيف الحالة، فضلا عن أن حالة العداء السياسى لا تستوجب بل هى لا تقبل بوجود صلة أو حالة تنظيم لعلاقة بين الطرفين.

العداء السياسى معناه وبمنتهى البساطة رغبة طرفين كل فى إقصاء الآخر، والقضاء على وجوده، كون أنهما لا يقبلان ببعضهما من الأساس، وغير ذلك اسمه خلاف سياسى، وهو توصيف لرسم أو صياغة العلاقة بين القوى المتنافسة سياسيا فى إطار القانون، ومن أجل اكتساب ثقة الرأى العام لتشكيل الأغلبية البرلمانية ومن ثم لحكم البلاد.

المفارقة الغريبة أن منظمات المجتمع المدنى بكل تنوعاتها وتشكيلاتها لا تدخل على الإطلاق فى إطار المنافسة السياسية مع الدولة، ولا هى أساسا من التكوينات المُنافسة حتى ولو اجتماعيا أو اقتصاديا، وهذا ينطبق على مفهوم المجتمع المدنى من دون استثناء، والقاعدة التى تحكم عمل هذه المنظمات هى التعاون مع الدولة باستقلالية فى تنفيذ العمليات والبرامج التنموية بمختلف أشكالها، وبالتالى فلا مجال للحديث عن صراع سياسى أو عداء سياسى، كون الأمر يجرى فى إطارات مختلفة تماما ومتناقضة مع تلك التى يمكن الحديث عنها فى الشئون السياسية.

يقينى أن فكرة العداء السياسى للدولة المصرية مع منظمات المجتمع المدنى، اختراع أنتجته جماعات سياسية أطلقت على نفسها مسميات المجتمع المدنى، وهى على خلاف ذلك تماما، وقصة هذه الجماعات أو المجموعات طويلة، لا مجال لسردها هنا، وإن يكفى القول، إن دخولها مجال المجتمع المدنى، ارتبط بفشلها السياسى داخل أحزابها ومنظماتها، فوجدت بديلا لذلك تأسيس جمعيات أو منظمات، تُمارس فيها ما كانت تفعله فى أحزابها ولكن تحت مظلة أو مصطلحات المجتمع المدنى.

اللافت أن تلك الجماعات تستخدم خطابا سياسيا منحازا، لا يقوم على الرصد قدر ما يعتمد على التحليل، وهو لا يستند إلى رؤى ظنية تقديرية قبل إعلان الإدانة، قدر ما يستند إلى الرغبة فى الاتهام أو الإدانة، ولا يتعامل مع كل المتغيرات والتطورات الحاصلة، قدر ما يسعى إلى رصد السلبيات والتسفيه أو التقليل وأحيانا عدم الالتفات نهائيا إلى الإيجابيات.

المسألة ببساطة شديدة أنه لا يوجد عداء سياسى بين دولة وبين مجتمع مدنى، والعمل المدنى لا يقتصر فقط على مجال الحريات السياسية والمدنية وإنما هو يمتد إلى مجالات أوسع من ذلك بكثير فئويا ومهنيا واقتصاديا واجتماعيا وخلافه، وبالتالى لا يمكن وضع كل هذه الأمور فى سلة واحدة حتى نصم دولة بأنها على عداء سياسى مع منظمات المجتمع المدنى، كما إننا لا نستطيع استخدام هذا المصطلح على علاقة تقوم على التعاون والتنسيق بين الطرفين وفقا لمثلث التركيبة السياسية لأى دولة والقائمة على اضلاعها الثلاثة الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى.

الخلاصة أن العداء السياسى ليس اتهاما موجها للدولة فى علاقتها مع منظمات المجتمع المدنى، إنما هومصطلح واتهام تستخدمه مجموعة محدودة من الجماعات السياسية المعادية للدولة، الرافضة الخضوع للقانون والالتزام به، وتستخدم مفهوم العمل الأهلى وأدواته ستارا لإخفاء تحركات حزبية أوسياسية وأعمال إرهابية، وفى الحقيقة هى المُتهمة أساسا بالعداء السياسى للدولة.