عن حقوق الإنسان..
لاشك أننا نتفق جميعًا، على أن حقوق الإنسان هى المبادىء الأخلاقية أو المعايير الاجتماعية التى تصف نموذجًا للسلوك البشرى الذى لا يجوز المساس به؛ لاعتباره من الحقوق المستحقة والأصيلة لكل امرئ لمجرد كونه إنسانًا؛ ملازمة له بغض النظرعن هويته أو مكان وجوده أو لغته أو ديانته أو غير ذلك. وتكفل حمايتها أطرًا من القوانين المحلية والدولية، ولا يصح أن تُنتزع إلا نتيجة لإجراءات قانونية واجبة تضمن الحقوق ووفقًا لظروف محددة. وقد تشتمل حقوق الإنسان على التحررمن الحبس ظلمًا والتعذيب وعقوبة الإعدام؛ وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادرًا على اتخاذ قراراته المصيرية.
من هذا المنطلق؛ بدأت منظمات المجتمع المدنى تبحث عن كيفية الوصول إلى الحفاظ على حقوق الإنسان فى الحرية والعدالة والمساواة لتحقيق الحد الأدنى للآدمية المفتقدة بفعل التسلط والتحكم من الأنظمة المهيمنة على مقدرات الشعوب. وبدأت تلك المنظمات فى إنشاء كيانات تحت مسمَّى حقوق الإنسان، وإن كان البعض منها قد أنشيء بغرض استقطاب عناصرالمعارضة للأنظمة الحاكمة للتأليب عليها لتحقيق أغراض سياسية بعيدة عن الأهداف الأساسية التى قامت من أجلها، ونرى هذا فى واقعنا المعاصرالذى اختلطت فيه الكثير من المعايير، وتصدرالمشهد كيانات غريبة لاتمُت لحقوق الإنسان بصلة. ولأننا نعرف أن لكل قاعدة استثناءات؛ فإننا ـ بالتأكيد ـ لا نعول عليها ولا نأخذها بعين الاعتبار.
ومن أجل شرف المقصد والتوجه، كان الاحتفال عالميًا بحقوق الإنسان، ومن قبله إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وكان السبب الرئيس هو ما شاهده العالم من فظائع أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان القراربعدم السماح بانتهاك آدمية البشروحقوقهم فى العيش بكرامة وعدم تعرضهم للعنف والعدوان، وقد قرر زعماء العالم استكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد فى أى مكان أو زمان، هذا الميثاق الذى عُرف لاحقًا باسم» الإعلان العالمى لحقوق الإنسان»؛ الذى صدر بموجب قرارالجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 بتاريخ 10 ديسمبر 1948وجاء تعبيرًا صريحًا عن حق الإنسان فى أن يحيا بكرامة، وقد انطوى الإعلان على ديباجة و 30 مادة نصت على حقوق الإنسان، حيث يشير الإعلان بوضوح إلى أن الناس جميعًا يولدون أحرارًا ومتساوين فى الكرامة والحقوق، ولكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فى الإعلان، دون أى تمييز من أى نوع بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى سياسيًا أو غير سياسى، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى أو الثروة أو المولد.
ويحوى الإعلان العالمى ثلاثين مادة بالإضافة الى ديباجته الافتتاحية اشتملت هذه المواد على الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية التى يجب أن يتمتع بها البشر ويتلخص فى: أن كل إنسان حر ويجب أن نُعامَل جميعاً بالطريقة نفسها، جميع الناس متساوون بغض النظرعن الفوارق فى لون بشرتهم أو جنسهم أو دينهم أو لغتهم ، لكل شخص الحق فى الحياة وفى أن يعيش بحرية وأمان، لا يجوز لأحد أن يعاملك كرقيق، كما لا يجوز لك أن تسترق أحدًا، ولكل شخص الحق فى طلب المساعدة القانونية عندما تُنتهك حقوقه، وليس من حق أحد سجنك ظلماً أو طردك من بلدك، لكل شخص الحق فى محاكمة علنية عادلة، وأن كل شخص برئ حتى تثبت إدانته.... إلخ هذه القيم العادلة التى يحتاجها الإنسان فى مواصلة الحياة
وعلى هذا المنوال؛ تم إنشاء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وهى من أولى المنظمات غير الحكومية التى تعمل فى مجال تعزيز حقوق الإنسان فى مصر وقد أنشأت المنظمة عام 1985 وتعمل وفقا لمبادئ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وتشريعات حقوق الإنسان الدولية الأخرى. يبلغ عدد أعضاء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان 2300 عضو ولديها مكاتب فرعية فى مختلف المحافظات، وتقوم المنظمة برصد حالات حقوق الإنسان فى مصر والدفاع عن حقوق المواطنين ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان, سواء كان مصدر هذه الانتهاكات جهة حكومية أوغير حكومية؛ وبغض النظرعن هوية ضحايا الانتهاكات أو المنتهكين، وكذا إعداد تقاريرعن تلك الانتهاكات وتوضيح وتأييد مبادئ حقوق الإنسان، كما تحاول أن تشجع المؤسسات المدنية القومية والدولية أن يتخذوا الخطوات اللازمة لإيقاف مايُنتهك من حقوق.
ويستوقفنا السؤال الحائر الذى يبحث عن إجابة شافية: هل منظمات حقوق الإنسان المنتشرة فى العالم؛ بالعديد من المقرات والمكاتب فى عواصم الدول ـ خاصة دول العالم الثالث ـ صادقة فى حماية حقوق الإنسان واستجلابها؟ أم هى عيون راصدة لحركة المجتمعات لتأليبها على السلطة الشرعية لتحقيق أهدافها التى أصبحت لاتخفى على أحد.. وهل الدفاع عن حقوق الإنسان حقيقة أم محض خيال؟
فقناعاتى الراسخة؛ بأن حقوق الإنسان فى هذا العالم المليء بالأطماع وشهوة التسلط والتحكم فى البشر؛ لايحتاج إلى قوانين أو دساتير؛ بقدر ما يحتاج إلى صحوة الضمير وإعطاء ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر.. حتى يستقيم الميزان، وينعم العالم بالحرية والعدالة والمساواة فتكون إنسانيتنا حقيقة معاشة وليست ضربا من الخيال نتوهمه.
أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعى بأكاديمية الفنون