
محمود عبد الكريم
المماليك الذين كنت أكرههم
ككثير من المثقفين والباحثين والكتاب المصريين كنت ومن خلال المناهج الدراسية وأحيانا بعض الأعمال الفنية والسينمائية كنت أكره المماليك وتكونت لدىَّ فكرة سيئة عنهم وعن زمانهم وكيف كانوا وكيف عاملوا الشعب المصرى الذى يتوارث الظلم وأقهر جيلا بعد جيل لكننى عندما أبحرت فى قراءة التاريخ أجد انهم كانوا عظماء ولم ينصفهم أحد لا التاريخ ولا الباحثون الذين إذا ما ذكر أمامهم المماليك تبادر إلى ذهنهم صفات القسوة والغدر والجبروت والجهل، وإذا ذكرت أيامهم وحكمهم، اقترن بها ذكر الظلم، والاستبداد، والفوضى، والحقيقة أن أى من الصفات التى وصف بها المماليك هى أمر نسبى، فليس من العدل أو من الصدق التاريخى أن ننظر إلى أفراد المماليك وأيامهم نظرة مطلقة أو أن نخضعهم لآراء ومقاييس لم تكن معتبرة وقائمة فى زمنهم وأن نوازن بين حكمهم وأيامهم وحكم غيرهم من هؤلاء المعاصرين أو المقاربين، وأن نخضع الرأى فيهم لما كان معتبرا قائما من المقاييس عند الناس فى زمانهم.
إذا نظرنا هذه النظرة المنصفة الصادقة، ووضعنا صفات المماليك، وسمات حكمهم إلى جوار الصفات والسمات التى نجدها عند غيرهم من معاصريهم، إذا فعلنا ذلك، هل نظل نعتقد أنهم بهذه الصفات السيئة؟
ثم هل كان الحكام من الأتراك العثمانيين أو الفرنسيين وغيرهم أقل قسوة أو غدرًا منهم؟
لقد فعل نابليون ما لا يمكن وصفه فى الشعوب التى بليت بحملته فى مصر والشام ويافا وغزة، لقد ذبح جنوده فى يافا حامية تركية مكونة من أربعة آلاف جندى استسلموا له بناء على وعد منه ثم قال أين اضعهم وكيف اطعمهم وأمر بذبحهم على ضفاف البحر اليافاوى حتى اصطبغت المياه باللون الأحمر وعندما عاد من هذه المذبحة وثار عليه أهل القاهرة وبولاق أمر بحرق بولاق عن بكرة أبيها.
ثم هل كان الحكام من الأتراك أو غيرهم أقل قسوة أو غدرًا وجهلا من المماليك؟
بالعكس كان المماليك أقل قسوة وغدرا ممن جاءوا بعدهم خاصة العثمانيين، فالعثمانيون كانوا أشد جهلا وغدرا بل وغباء وتخلفا من المماليك، هنا كظروف كثيرة جعلت المماليك ووضعتهم فى هذا الوضع وأظهرت رموزهم بهذه الصورة السيئة وأصبحوا مضرب الأمثال فى القسوة والجهل والظلم منها أنهم تعرضوا - كما يقول محمود الشرقاوى المؤرخ القديم - لحملات طويلة وقوية من الأتراك والفرنسيين كانت تصفهم بهذه الأوصاف وتغالى فيها وتلح عليها إضافة أنهم كانوا على شىء بسيط من الفكر والآداء العسكرى أو سذاجة العقلية وكان لديهم القدر الأكبر بالاعتزاز بأنفسهم والثقة المطلقة فى سيوفهم ومهارتهم القتالية البدائية والدليل أنه لم أبلغ مراد بك وكان قائد الجيش المصرى المماليكى أن نابليون يتحرك فى اتجاه إمبابة وأبلغه بذلك صديقه القنصل النمساوى روسيتى رد عليه بأننا سوف نشرحهم كالشمام ونأكلهم كما نأكل الفستق!
والغباء الذى كان عليه بعض قادة المماليك إضافة للخيانات التى تعرضوا لها وأشهرها خيانة خاير بك وتغر بردى للسلطان الغورى فى موقعة مرج دابق بالشام أكبر دليل على مالاقاه المماليك من حملات كانت تستهدف القضاء عليهم وقطع دابرهم نهائيا من مصر وليس أدل فى ذلك على تلك الخيانة الكبرى التى تعرض لها السلطان طومان باى والذى كان بطلا بحق ومحبا لمصر كأنه من أبنائها وجذورها عندما احتمى بعرب البحيرة والبدو وسلم نفسه لحسن مرعى وأخيه ليحمونه وجعلهم يحلفون على المصحف ألا يخونوه ولكن لما أرسل لهم السلطان العثمانى سليم الأول يغريهم بالمال والسلطان قيدوه وقادوه للقاهرة وسلموه تسليما للسلطان العثمانى.
ولم تفقد مصر استقلالها وعظمتها أمام الغزاة الأتراك إلا بعد أن رويت سهول الشام وأرض مصر من دم أعدائها وأبنائها على حد سواء فى خمس من المعارك الكبري الدامية، وبعد أن استشهد سلطانها قنصوة الغورى فى حلب وكانت هزيمة تغلفها الخيانة ولولاها كان سليم الأول الذى نكب مصر بغزوته قد اقتيد أسيرا من حلب للقاهرة.