
حازم منير
رؤى وحيد حامد
غاب وحيد حامد وصعدت روحه إلى بارئها، لكنى على يقين أن ما زرعه الراحل فى عقول المصريين من ثقافة وفكر ومبادئ ومعانِ، ستستمر مع أعماله الفنية والأدبية لسنوات طويلة، دون أى تغيير فى تلك المعانى والمواقف السامية.
وحيد حامد لم يكن سيناريست ولا أديبا أو كاتبا، إنما كان مفكرا صاحب رؤية واضحة، وهبه الله القدرة على قراءة تفاصيل الحياة، وما يدور فيها من وقائع، وما تعكسه من دلائل، وهو فعلا على مدار مسيرته الإبداعية، رسم لمصر كثيرا من مشاهد المستقبل، بصورة مذهلة، وكنا نلتقط تلك المعانى مباشرة من مشاهدة الأعمال الفنية، بصورة مبسطة، ومن دون تعقيدات أو فلسفة، ليتكون فى داخلنا وعيا أكثر عمقًا من نظيره الذى نلتقطه من الكتب أو الدراسات.
فى «طيور الظلام» حذرنا المُبدع والمفكر وحيد حامد مبكرا من انفراد الإخوان والحزب الوطنى بالصراع على حُكم البلاد، وفى «النوم فى العسل» كانت صرخة «الآه» التى تخطى فيها أحاديث الساسة والسياسة، وكشف فيها عجز المجتمع بكل أدواته عن الإبداع ومواكبة متطلبات المستقبل، اما فى «الكباب والإرهاب» فقدم لنا فى خطاب كوميدى راق واحدة من أهم أسباب الإرهاب، على لسان بطل الفيلم «أنا مش طالب غير إنسانيتى، مش عاوز أتهان فى البيت، ولا فى شغلى، ولا فى الشارع، متهيالى دى مطالب لا يمكن اتعاقب عليها» بصياغات بسيطة جدا ومُفرطة فى وضوحها، قدم لنا حقيقة المشهد وجذوره، ومن ينسى «المنسى» وهويُطلق جرس الإنذار من الفروق فى المجتمع، ولا «اللعب مع الكبار» وحلم محاربة ومكافحة الفساد، فى عمل أدبى من أروع ما قدم الفنان حسين فهمى، وغير ذلك العشرات من الأعمال السينمائية أو الدراما التليفزيونية أو فن المسرح.
الرجل لم يستغل كل ذلك فى خلق مكانة بين الرسميين، ففكرته ورؤيته كانت كفيلة بفرض نفسها على الجميع، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو لم يكن متنطعا أو متملقا، بالعكس تماما كان نقيا بكل معانى الكلمة، فلم يسع إلى مكانة خاصة، أو صلة تفتح له الأبواب، فقد كانت مفتوحة بحكم الإبداع وقيمة الرجل لدى المصريين.
وحيد حامد الذى رسم عشرات مشاهد المستقبل، لم تتعامل الدولة المصرية مع إبداعاته مبكرا جدا، بالاهتمام الواجب، ولوكانت فعلت لتجنبنا الكثير والكثير من التعثرات والأزمات، لكنها للأسف سمة الدولة التى لا تعير التفاتا أو اهتماما وتقديرا ملائما بالمفكرين والمُثقفين، وتضعهم فى مكانة ملائمة، تبرزهم كقدوة للمجتمع، يسهمون فى بناء البشر.
المسألة ليست فى جائزة حصل عليها مثل «جائزة النيل» أو جوائز وشهادات وتكريم من مهرجانات وخلافه، إنما فى اعتراف الدولة بقيمة هؤلاء المُبدعين، وتكريمهم رسميا كدولة تهتم بتوضيح دورهم المؤثر فى صياغة وجدان المجتمع، بعد أن سيطرة صورة لاعب كرة القدم ومغني المهرجانات على طموحات وحلم الأسر لمستقبل أبنائهم، وغابت تماما أهمية الثقافة ودورها.
ربما عدد المفكرين والمثقفين والمُبدعين فى المجتمع قليلا، لكن المؤكد أنهم الأقدر على والأجدر برسم صورة المجتمع، وتمتين العلاقة بين الناس والوطن، فالمسألة ليست بالعدد، وإنما بالقدرة على تقديم المشهد العام للناس ورسم الصورة الذهنية المطلوبة فى عقول الشعب، وصياغة وجدانهم ومشاعرهم الوطنية، وهوما فعله الراحل العظيم وحيد حامد، فى أعماله وإبداعاته الفنية، وهوما أضفى عليه صفة المُفكر صاحب الرؤية الوطنية.
معركة الوعى التى نخوضها تتطلب إعادة الاعتبار للمفكرين والمبدعين والمثقفين، وتقديمهم للمجتمع فى المكانة اللائقة كرموز وقدوة، فربما نتخلص من تقاليدنا وعاداتنا المقيتة فى تكريم رموزنا الوطنية بعد مماتهم.