الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى ميلاده

جبران.. الأديب الذى وصل بين الشرق والغرب

تمر هذه الأيام الذكرى الثامنة والثلاثين بعد المائة  لميلاد الشاعر اللبنانى الكبير جبران   (6 يناير 1883 - 10 إبريل 1931) ولد فى قرية « بشرى « من قرى الشمال اللبنانى.



وكانت الظروف السياسية السائدة فى لبنان فى تلك الحقبة وفى الشام عموما تعانى من الاستبداد العثمانى وقد خضعت بلاد الشام لسلطة الأتراك الذين استبدوا بها عن طريق ولاتها، وقد كانت شمس الدولة العثمانية آيلة إلى أفول منذ انهزام أسطولها فى معركة « نافرين « عام 1827، وقد كانت أوروبا الناهضة تتهيأ لاقتسام تركة الرجل المريض والحلول مكانه فى شرق العالم العربى وفى غربه، ولم يبقَ من العثمانيين وشوكتهم آنذاك غير استبدادهم بالعرب وبطش ولاتهم بهم ومصادرة الحريات بل وإزهاق الأرواح و فرض الإتاوات والضرائب على السكان لدفع رواتب الجيش وإغراق ضباطه فى النعيم حتى لا يثور الجيش على الباب العالى وينهى حكمه.

كان والد جبران خليل جبران يعمل فى جباية الضرائب، ولكن فى أحد الأيام قُبِضَ عليه بتهمة الاختلاس الماليّ؛ ممّا أدّى إلى إصابة جبران بصدمة قوية فى نفسه، وأرغم ذلك والدته وعائلته على السفر إلى مدينة بوسطن؛ للالتحاق بمجموعة من أقارب والدته فى تلك المدينة، وانضم جبران فى مدينة بوسطن إلى إحدى المدارس الشعبيّة، ودرس فيها مبادئ وأُسّس اللغة الإنجليزيّة، ولفت انتباه معلمته فى المدرسة والتى رأت فيه طالباً مجتهداً ويُحبّ الرسم، فحرصت على التوصية به عند أحد الأشخاص الذين يهتمّون بتقديم الرعاية للموهوبين فى مجال الفنّ، فتمكّن جبران من تعلُّم التقنيات الخاصة بالرسم، مع حرصه على الاستمرار فى دراسة اللغة الإنجليزيّة.

تعود البداية الأدبيّة الحقيقيّة عند جبران خليل جبران إلى أوائل عام 1904م، عندما التقى بأمين الغريّب مُؤسّس صحيفة المُهاجر، فقدّمَ له جبران مجموعة من رسوماته وخواطره التى نالت إعجابه وقرّر نشرها فى صحيفته، وفى شهر آذار (مارس) كتب جبران مقالته الأوّلى وكان عنوانها رؤيا، وحصلت هذه المقالة على إعجاب قُرّاء الصحيفة، وشجّع ذلك جبران على الاستمرار فى كتابة المقالات، فنشر مجموعة منها على شكل سلسلة كانت بعنوان رسائل النار، وبعد مرور عام على كتابته للمقالات نشر مقالة طويلة بعنوان الموسيقى،ومثلما مرّت حياة جبران خليل جبران الشخصيّة بمجموعة من المراحل، كذلك تأثّرت حياته الأدبيّة بعدّة مراحل مهمة.

لا يمضى عام إلا وتصدر، فى أكثر من لغة، ترجمة جديدة لكتاب النبي. كتابٌ، وزّع الجيش الأميريكى منه مليون نسخة على جنوده الذاهبين إلى جبهات قتال أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، ما لبث أن تصدّر لائحة المبيعات فى الولايات المتحدة بعد الكتاب المقدّس مباشرةً. فارتبط اسم جبران به بحيث أصبح عنوانه الوحيد، حتى فى قلب العالم العربي. وتبدّى جبران على صورة حكيم أو فيلسوف مثالي؛ وانقطعت علاقته أو كادت بجذوره الأولى. إن فى ذلك لمفارقة كبرى لمن يعرف جبران عن كثب؛ فحكمة النبى لم تأتِ طفرةً عجائبية حين استبدل العربية بالإنجليزية بل استكمالاً لمواقف نشأت مع بدئه الكتابة، وبالعربية بالطبع، حيث تشكل فكره الذى تجلّى لاحقًا فى النبى. وجبران لم ينظر يومًا إلى نفسه فيلسوفًا بل فنانًا أو مبدع أشكال، حسب تعبيره فى إفضائه الحميمى لمارى هاسكل، وقد كرّسه المجتمع الغربى نجمًا بزَّ كافة كتّابه فى القرن العشرين مبيعًا وقراءةً؟. إنه فنان متجذّر فى بيئة جغرافية وإنسانية حملها معه فى تجواله المستمر، وناضل فى سبيل تحررها السياسى والاجتماعى، وفى ثقافةٍ عشقها إلى حدّ المغالاة وساهم مساهمة حاسمة فى تطويرها. لكشف وهو صاحب دفقٍ لغويٍّ عارم يغرى بشاعريته بقدر ما يصدّ بغماميته.

لقد ترك جبران إرثا من الرسائل الثمينة التى جمعت فى كتب واصدارات باللغتين العربية والانكليزيةـ والتى كانت متداولة بينه وبين أصدقائه من الكتاب المهجريين الأوائل الذين شكلوا معا «الرابطة القلمية» أمثال: ميخائيل نعيمة، نسيب عريضة، عبدالمسيح حداد. بالعودة الى تلك الرسائل المنشورة بالانجليزية والعربية، نجد تلك الروح النادرة من المساندة بين أصدقاء ورفاق المهنة الواحدة. تبادل اخبار الكتابة وانتظار نشر قصيدة أو نص أو كتاب. نلمس الصراع اليومى والاستهلاك المادى، الغيرة،الرغبة فى الوصول الى سلطة ثقافية وعلى رقاب واقلام الكتاب المعاصرين. ويلاحظ أيضا الفقر الوجدانى والإبداعى الذى تنهشه التجاذبات السياسية المريرة.