صوت التليفزيون
مع انتشار أخبار الوفيات بصورة لافتة للنظر خلال الفترة الماضية وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعى تذكرت أحد القيم المفتقدة هذه الأيام والمرتبطة بمراعاة أحاسيس أهل المتوفى.
فى الماضى الجميل وفى حالة وجود حالة وفاة لدى أحد الأقارب أو الجيران كان احترام الموت والحزن يحمل شكلًا راقيًا... أتذكر كيف كنا نقوم بإغلاق جهاز التليفزيون مدة لا تقل عن أسبوعين أو ثلاثة احتراما لحزن الجيران... ثم يبدأ الأطفال فى التذمر والإلحاح بحاجتهم إلى فتح جهاز التلفاز ومشاهدة برامج الأطفال والأفلام المسلية فالحياة بدون هذا الجهاز كانت تحيل البيت إلى سجن ممل.
تأتينا محاولات الأهل لإثنائنا عن هذ الفعل ثم ما يلبث الأهل أن يستجيبوا إلى الإلحاح المستمر مع التوصية بخفض صوت التليفزيون وإلى إغلاقه تماما فى حالة صعود أو هبوط أى من الجيران مخافة أن تتسلل إلى أذنيه أصوات هذا الجهاز فيشعرون ببعض من الحزن والأسى واللوم والعتاب لعدم احترام حزنهم العميق.
شىء مماثل كان يحدث فى سرادقات العزاء أو فى الزيارات المنزلية لتقديم واجب العزاء حيث كان صوت المذياع أو جهاز التسجيل يصدح بآيات الذكر الحكيم من القرآن الكريم مع تقديم مشروب واحد هو القهوة السادة... الآن أصبح «الينسون» أحد المشروبات المعتادة فى سرادقات العزاء مع عدم الالتزام إطلاقا فى الزيارات المنزلية... أذكر أننى رفضت أن أحتسى القهوة فى إحدى الزيارات المنزلية للعزاء فى والد أحد الأصدقاء الذى باغتنى قائلا «أجيبلك بيبسى؟»... لم يكن عرضه سخرية بل كان يشعر بأننى أحب هذا المشروب ووجب عليه إحسان الضيافة متناسيا الأمر والموقف.
أما بالنسبة لإغلاق جهاز التلفاز أو التنبيه على الأطفال بخفض صوته وأصواتهم فإنه أمر قد أصبح من الأمور التاريخية التى لا يتم تطبيقها حاليا وهو ما جعل الأجيال الجديدة لا تشعر بتلك القيمة على الإطلاق.
وقد تتساءل عزيزى القارئ عن أهمية أو فائدة إثارة هذا الأمر الذى قد يراه البعض تافها أو لا يستحق الإشارة إليه على الإطلاق والحقيقة أن هذا هو مجرد مثال صغير لتغير التصرفات والقيم والأخلاقيات ضمن الاختلالات الظاهرة والجلية فى منظومة القيم التى نتحرك داخلها هذه الأيام.
والقائمة طويلة ومفزعة... ربما حدث هذا التغير على فترات زمنية كبيرة جعلتنا لا نشعر بحجم الجرم أو التجاوز عندما نقوم بفعل بسيط كنا نراه جريمة كبرى فى ذلك الزمن الجميل.
تغريدة: زمان وكان يا مكان.... كان الزمان إنسان... دلوقتى ليه يا زمان ما بقتشى زى زمان... مرسى جميل عزيز.
