الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
أخلاق الزحام

أخلاق الزحام

أخلاق الأمم المتحضرة تظهر فى سلوك الشعوب وتصرفاتهم تجاه الآخر وردة فعلهم تجاه أخطاء الآخر أو سلوكه ولذا هل يجوز أن نقول :إن هناك مايمكن أن نسميه أخلاق الزحام وأن الذى أفرز هذه الأخلاق التكدس السكانى فى المدن الكبرى وكنموذج لها القاهرة مثلاً. 



حسب تقريرأجهزة الإحصاء والتعبئة فإن سكان القاهرة الكبرى بلغ عددهم مؤخرا حوالى 25 مليون نسمة غير 5 ملايين يأتون يوميا لإنهاء وتخليص معاملاتهم فى المصالح الحكومية والمستشفيات. 

هذا العدد يمثل 30 % من عدد سكان مصر الإجمالى، ويمكن القول أيضا: إن القاهرة تستقبل كل 6 شهور مليون مولود وأن الكثافة السكانية تبلغ 18ألف نسمة لكل كيلومتر مربع، حيث مساحة القاهرة لاتتجاوز 3085 كيلومترا مربعا. 

هذه الإحصائية تقول: إن القاهرة أصبحت عاصمة الزحام فى منطقة الشرق الأوسط وهو ماجعل الدولة بقيادة زعيمنا عبد الفتاح السيسى ينشئ مدنا خارج القاهرة أهمها العاصمة الإدارية الجديدة التى تعد نموذجا حضاريا للمدن الحديثة. 

ولكن هل الزحام الذى تعيشه القاهرة خلق نمطا جديدا وغريبا علينا فى العلاقات والتعامل مع بعضنا البعض وهو ما اصطلح على تسميته مؤخرا بأخلاق الزحام. 

نعم أخلاق القاهرة الآن تتغير كثيرا بضغط الكثافة السكانية فغابت المودة، والرحمة، والإيثار، والتفاهم والتسامح والكرم والبشاشة والضحكة التى كان يتميز بها المواطن المصرى. 

لقد غير الزحام كثيرا من أخلاق المواطن حتى داخل أسرته وعائلته، لم تعد هناك تلك الحميمية فى اللقاء واللهفة عند اللقاء، فضلا عن تحول ساكن القاهرة إلى شخص عصبى يعانى ضغطًا وصراخ المركبات من حوله وتزايد وسائل المواصلات العشوائية من مايسمى بالتكاتك أو الميكروباصات إضافة إلى الحر صيفا والزحام يساعد على نقل العدوى بالأمراض الخطيرة بعكس مدن المحافظات الأقل عددا والأكثر أخلاقا من القاهرة ونموذج لسلوك الزحام أيضاً عندما تكون أمام ماكينة صرف النقود الآلية بجوار البنك فإن الواقفين خلفك فى الطابور يتابعون كل العمليات التى تقوم بها من سحب وإيداع، كما يطّلعون على رصيدك وقد يناقشونك فى بعض شأنك البنكى أمام الماكينة.. كل منهم يتابع ويتفاعل مع عمليات الآخرين، ويظهر ذلك أيضا فى طوابير المصالح والهيئات الحكومية حيث يتحول الطابور إلى منتدى ناقش فيه كل شىء وأى شىء.

بينما فى المدن غير المزدحمة الكل يعرف بعضه البعض، والكل يخشى أن تناله سمعة سيئة، والكل مستعد لنجدة الملهوف وإغاثة المكروب، بعكس المدن الكبرى وأقصد بها هنا القاهرة تحديدا التى أفقدها الزحام أخلاقها تماما وأصبح شعار أنا ومن بعدى أى شخص، المهم أن أكون الأول الأول ولا يهم من بعدى ويبدو ذلك واضحا فى محطات المترو، حيث يتسابق الركاب للصعود على السلم كلٌ قبل الآخر فى مشهد غير حضارى على الإطلاق. 

الزحام خلق نوعا من الاستعداد لارتكاب الجريمة على أقل الأسباب، وزاد من احتمالات الشجار خاصة فى حالات تصادم السيارات أو تلامسها حتى قبل أن تتصادم، لذا آن الأوان للحروج من الوادى الضيق إلى الصحراءالواسعة وإعادة توزيع السكان ووقف الهجرة الداخلية العشوائية وفتح مجالات لاستيعاب العمالة الوهمية القادمة من المحافظات للقاهرة فإن لم يحدث هذا ستظل أخلاق الزحام سائدة وتفرض قواعد جديدة للحياة ونمطا آخر للسلوك أشد سوءًا.