الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«موريللى» الفنان الإيطالى الثائر

«موريللى» الفنان الإيطالى الثائر

يعتبر الفنان «دومينكو موريللى» أحد أهم فنانى القرن الـ19 وأكثر المطورين فى فن التصوير الإيطالى والذى تعدى تأثيره للقرن العشرين وظلت مدرسته الفنية أكاديميا وتقنيا تشكل طقسا فى الرسم الإيطالى حتى اعتبر أستاذ القرنين التاسع عشر والعشرين كما سوف نذكر بالتفصيل.



لم يكن موريللى فنانا مدرسيا بقدر ما كان مبدعا ثوريا حتى أن هذا الحس الثورى أصبغ على فكره السياسى فأصبح ثائرا انضم لمجموعة الثوار الذين قاموا بالتمرد فى نابولى عام 1848 وظل يقف خلف المتاريس هناك حتى أصيب إصابات بالغة كاد معها أن يفقد حياته، كما تم سجنه بعد فشل التمرد الذى كان على رأسه مجموعة من الفنانين أطلق عليهم الفنانون المحاربون.. لكن الحقيقة أن دومينكو موريللى أفاق بعد هذه التجربة وأدرك أنه على الفنان أن يقود ثورته الخاصة فى مجاله هو بل عليه أن يكون ثائرا ويقود الفن للحرية والحداثة ويترك السياسة للساسة وأهل الفهم.

هكذا بدأ موريللى مرحلة الثورة فثار على القديم ثورة حقيقية وزامل المدرسة الرومانسية والكلاسيكية الجديدة فى العديد من تقنياتها فكان فى أعماله التى فيها مشاهد تاريخية ودينية حيث انصب جل اهتمامه ، كان يشابه جاك لويس ديفيد دون تقليد وكان فى وضعات الجسد وخصوصا النساء نقرأ عنده استلقاء جويا مع السطوع الذى خلفه تأثره ببعض فن «الروكوكو» ، ونحن نلمح تأثره بجاك لويس دافيد جليا فى لوحة موريللى الشهيرة – الثوار – والتى رسمها بعد اشتراكه فى الثورة الفاشلة فى نابولى بعقد من الزمان فإذا نظرنا بإمعان للوحة موريللى وجدناها تتشابه تشابها كبيرا بين لوحة الأخوة هوراتيوس لرائد الكلاسيكية الجديدة الفرنسى جاك لويس دافيد من حيث العدد فأشخاص اللوحة أربعة فى صدر اللوحة مع مجموعة فى الخلفية  فى لوحة جاك لويس دافيد وهم فى لوحة موريللى أربعة مع تقسيم ثلاثة فى صدر اللوحة وواحد أقرب وآخر فى الخلفية وتكاد تتطابق إيحاءات اللوحتين من حيث كونهما سياسيتين ومن حيث وضعات الأشخاص لكن أيضا لا نستبعد أن موريللى قد استعار بعض تقنيات لوحة رعاة أركيديا وخصوصا الشخص الواقف فى الجانب الأيمن من اللوحة .

لكن قبل أن نترك لوحة الثوار لموريللى علينا أن نؤكد أن هذه اللوحة كانت إرهاصة كبيرة على دخول موريللى عالم الاستشراق فالأشخاص فى اللوحة تبدو عليهم السمات الشرقية بشكل كبير حتى أن بعض النقاد قال إن أغطية الرأس هى أغطية عربية مغاربية فى اللوحة ونحن نؤيد ذلك لأن دومينكو موريللى كان قد خاض فيما بعد مرحلة أنتج فيها العديد من الأعمال الاستشراقية بل والبعض صنفه ضمن المستشرقين لأن بعض إنتاجه فيه استشراق خالص وبعضه متأثر بالاستشراق .

يعتبر موريللى فى العديد من أعماله رومانسيا خالصا لأن المدرسة الرومانسية تعتبر وليدة أواخر العصر الكلاسيكى الجديد فالبعض يجعل الرومانسية هى آخر حبة فى مسبحة الكلاسيكية الجديدة بل وهى تطور طبيعي للكلاسيكية الجديدة لكن أيضا علينا أن لا نعول بشكل كبير على هذه المقولة فهناك أقاليم أوروبية نشأت فيها المدرسة الرومانسية بعيدا عن تأثير الكلاسيكية الجديدة مثل شمال الرايخ الألمانى الذى كانت رومانسيته نابعة من تقنيات ألمانية خالصة.

على أية حال فإن وجوه موريللى وجوه رومانسية مع تفاوت النسب كما أن موضوعاته رومانسية فى كثير من أعماله مثل لوحة الشهداء ولو أن موضوعها دينى بشكل كبير لكنها تقترب للرومانسية الفرنسية وخاصة لوحة الشهيدة الصغيرة للرائد الفرنسى بول ديلاروش ولعل المقارنة بين موريللى ومعاصره بول ديلاروش أكثر فائدة من مقارنته بمن سبقوه لأنهما الاثنان من نفس الشق فى المدرسة الرومانسية على الأقل من حيث اختيار الموضوعات التاريخية والدينية وأيضا تقنيات الألوان الخفيفة فى العديد من اللوحات مع مراعاة درجة السطوع أبلغ مثال على ذلك لوحة موريللى الأميرة جينيفر تقبل الفارس لانسلوت وهى لوحة مستقاة من ملحمة الملك أرثر الأنجلوساكسونية الشهيرة وتبدو فيها الألوان خفيفة والمشهد واضح ليس به الزحام الذى اعتدنا عليه فى لوحات الفنانين الإيطاليين، كما أن موريللى راعى فيها السطوع واختيار مساقط الضوء بعناية ومع أن بعض النقاد يعتبرها لوحة عادية قياسا على أعمال أخرى لموريللى إلا أننا نرى أنها من أهم ما أنتجت ريشة موريللى ويعود الفضل فى العديد من لوحات موريلى للشاعر الإنجليزى لورد بايرون والذى استلهم دومينكو موريللى العديد من أشعاره ومن ثم كانت رومانسية قلبا وقالبا لأن الملهم فيها من رواد الرومانسية.

ليس من الغريب أن يكون لدى فنان نابوليتانى مثل دومينكو موريللى ميول استشراقية يعود ذلك لعدة أسباب أولها أن نابولى من الأقاليم التى عاش فيها العرب فترات ليست بالقليلة وتركوا فيها بصمة لا يمحوها الزمان حتى أن اللغة النابوليتانية تحتوى على أكثر من 500 كلمة من العربية ، أيضا اتصال التجارة بين العرب والأقاليم الإيطالية وعلى رأسها نابولى إذن الأجواء العربية كانت موجودة بالفعل فى الجنوب الإيطالى وخاصة صقلية ونابولى ومن ثم أثرت الأجواء الشرقية على لوحاته فمنها ما تأثر فقط سواء فى الملابس أو الوجوه مثل لوحة غواية سان أنتونى والتى يعتبر الشخصية المحورية فيها استشراقية بحتة كذلك لوحات مثل الفتاة والمسبحة ثم المرحلة الثانية وهى البورتريهات الاستشراقية من خلال أعماله التى هى عبارة عن وجوه شرقية وعربية بحتة ثم اللوحات الاستشراقية الكاملة مثل لوحة زوجة السلطان تعود من الحمام وهى من أجمل ما ترك موريللى حيث تحرى فيها التقليد العثمانى فى الاستشراق.

ولد دومينكو موريللى فى أسرة نابولتانية فقيرة عام 1823 وكانت والدته تحب أن يكون قسيسا لكنها اكتشفت أن لدية موهبة إعجازية فى الرسم فأرسلته لأكاديمية نابولى للفنون الجميلة عام 1836 وقضى فترة طويلة يدرس على يد أستاذة أجلاء ومنهم فراشيسكو ألتامورا وبعد حصول لوحته الملاك - يحضر الأرواح من المطهر- على جائزة كبيرة حصل على منحة للدراسة فى روما وقام هناك بأعمال فنية كبيرة مثل العذراء تحتضن الطفل ثم عاد لنابولى عام 1848 وشارك فى التمرد الشهير وأصيب وسجن ثم خرج من السجن وعاد إلى روما وكرس كل حياته لفنه وشارك فى معرض فلورنسا أكثر من مرة وفى معارض باريس كما كان ضمن جماعة الماكييولى الشهيرة التى أخذت على عاتقها تحرير الفن من القيود ومررت الألوان الفنية الجديدة للفن الإيطالى من بينها الانطباعية والواقعية ويعتبر موريللى أحد أساتذتها.

أنجز أعمالا عامة كثيرة ومنها المقبرة الملكية فى نابولى وأعمال التصوير فى كنيسة سان فيتالى والتى أكملها بعدها ابنه بالتبنى باولو فيترى.

عين رئيسا لأكاديمية الفنون فى نابولى ونال أوسمة كثيرة من بينها فارس سافوى وفارس وسيناتور من ملك نابولى وتوفى موريللى فى نابولى عام 1901.